التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السعودية

بطاقةُ تعارفٍ
بطاقةُ تعارفٍ
نظرة عامة على السعودية
المملكة العربية السعودية هو اسم الدولة، وعاصمتها الرياض، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز هو رئيس الدولة، والنظام الملكي هو نظام الحكم، وهي تقع في منطقة الشرق الأوسط، وتطل على الخليج العربي من الشرق والبحر الأحمر من الغرب، ومن الجنوب اليمن، وتبلغ مساحتها: 1.960.582 كيلو مترا مربعا.
الثروات الطبيعية السعودية
هي البترول، والغاز الطبيعي، والحديد الخام، والذهب، والنحاس.
ويبلغ عدد سكان السعودية 24 مليون نسمة، والريال السعودي هو العملة الرسمية بالبلاد. واللغة العربية هي اللغة الرسمية. وتبلغ نسبة المتعلمين 78 %.
وفي 23 سبتمبر 1932م استقلت المملكة.
وتم توحيد المملكة في اليوم نفسه.
سياسة السعودية
في عام 1993م تم إقرار الدستور السعودي.
وفي عام 1927م تأسس مجلس الشورى.
وفي عام 2001م انضمت للاتحاد البرلماني العربي، وفي عام 2003م انضمت للاتحاد البرلماني الدولي.
السُّكانُ
السكانُ
الكثافة السكانية السعودية
بلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية نحو 22.998.000 نسمة في عام 2004م، ويمثل السعوديون حوالي ثلاثة أرباع السكان، وينتمي الربع المتبقي من السكان إلى أكثر من مائة دولة، وفدوا إلى البلاد نتيجة لتوافر ملايين فرص العمل الناجمة عن تطبيق خطط التنمية الخمسية منذ عام 1970م، ويمثل العرب والآسيويون (من باكستان وبنجلادش والهند والفلبين وسريلانكا وإندونيسيا وغيرها) غالبية السكان غير السعوديين، إلى جانب وجود أقليات من الجنسيات الأوروبية والأمريكية وغيرها.
وبلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية وفق آخر إحصاء في العام 2005م حوالي 24 مليون نسمة، يشكل المقيمون أكثر من 7 ملايين، والباقي 17مليونا هم السكان الأصليون.
الدين
يدين كل السعوديين ومعظم الجاليات العربية والآسيوية بالإسلام الذي هو الدين الرسمي والوحيد في البلاد، ويصبغ الدين الإسلامي جميع مظاهر الحياة في المملكة العربية السعودية بطابع الإسلام في القضاء وتنظيم العلاقات الأسرية وتفاصيل الحياة الاجتماعية اليومية كإغلاق المتاجر وإيقاف حركة البيع والشراء والتوجه إلى المساجد في أوقات الصلاة، والتقيد الصارم بمظاهر الصيام في شهر رمضان المبارك، والتزام الطابع المحافظ في الشارع.
اللغات
العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وتوجد لغات أخرى أهمها الإنجليزية التي تستخدم على نطاق واسع سواء كانت مادة تعليمية في المدارس أو لغة ثانية ضرورية للعاملين في قطاع الصحة والتجارة والأعمال والشؤون الدولية.
أصلُ السكانِ
البدو الرحل
يمكن تقسيم السكان من حيث أنماط معيشتهم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
  1. البدو الرحل.
  2. سكان القرى.
  3. سكان المدن.
البدو الرحل: كان البدو الرحل يشكلون غالبية سكان البلاد في النصف الأول من القرن العشرين، لكن هذا النمط انكمش تدريجيا نتيجة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد، فأخذت أعداد البدو في التناقص السريع بفعل عمليات التوطين الموجهة التي قامت بها الدولة عن طريق استصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء الهجر (أو القرى)، وتوطين القبائل بها وعمليات التوطين الذاتية، وأهمها اجتذاب المؤسسات العسكرية وشركات النفط في المنطقة الشرقية لأعداد كبيرة من أبناء البادية. وقد أظهر التعداد العام للسكان في عام 1974م أن نسبة البدو لا تتجاوز 27%، هبطت إلى نحو 4.8% في عام 1996م، والواقع أن ما تبقى من البدو الرحل لا تنطبق عليهم مواصفات البداوة، فعلى الرغم من محافظتهم على التنقل المستمر أسلوبا لحياتهم، إلا أنهم يستخدمون وسائل حضرية كالشاحنات المتوسطة والصغيرة لنقل حيواناتهم وأمتعتهم وصهاريج المياه ووسائل أخرى كالراديو والتلفاز وغير ذلك.
سكان القرى
كان سكان القرى الزراعية والواحات يمثلون الفئة السكانية الثانية بعد البدو من حيث العدد، إلا أن نسبتهم تناقصت؛ نظرا لتيارات الهجرة الريفية الكثيفة صوب المدن، وقد تغيرت أوجه الحياة في القرى السعودية سواء باستبدال المباني الطينية بالمباني الإسمنتية أو توافر المرافق والخدمات العامة ووسائل الاتصال الحديثة كالهاتف الدولي والبث التلفازي، ويقدر أن نسبة سكان القرى السعودية لم تتجاوز 19.8% في عام 1998م.
سكان المدن
زادت نسبة سكان المدن باطراد على حساب سكان البوادي والأرياف ويتركز ثلاثة أرباع السكان (80.2%) في المدن التي صارت نقاط جذب شديد، ليس فقط من الداخل، بل من البلدان العربية والأجنبية.
تعيش المدن السعودية فترة نمو سريعة جدا وصارت مثالا للرفاهية الاجتماعية والتخطيط الحضري الشامل للشوارع والحدائق والمساكن العصرية الواسعة والمراكز التجارية الضخمة التي تحوي سلعا من كل أنحاء العالم.
التعليمُ
التعليم السعودي
يتوجه أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون طالب وطالبة كل عام إلى المدارس والجامعات السعودية، ويعد تطور التعليم العالي من أهم الإنجازات التنموية، إذ تضم البلاد ثماني جامعات منها ما هو للتعليم الشامل (كجامعة الملك سعود في الرياض، وجامعة الملك عبد العزيز في جدة، وجامعة الملك فيصل في الدمام، وجامعة الملك خالد بأبها) وأخرى متخصصة إما في الدراسات الإسلامية والأدبية والإنسانية بشكل عام (كجامعة أم القرى في مكة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة)، وإما في الدراسات العلمية (كجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران) إلى جانب مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض التي تقوم بمهام البحث العلمي التطبيقي.
وهناك عدد كبير من كليات البنات وكليات المعلمين والمعلمات والكليات التقنية وكليات المجتمع موزعة في مناطق مختلفة من المملكة.
النظامُ السياسيُّ
مقوماتُ قيامِ الدولةِ السعوديةِ الثانيةِ
الدولة السعودية الثانية
قامت هذه الدولة على الأسس نفسها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى من العمل على تصحيح العقيدة وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية. وإذا كانت الدولة السعودية الأولى قد انهارت سياسيا، إلا أنها في الوقت نفسه تركت في البلاد النجدية مقومات قيام الدولة السعودية الثانية؛ إذ ظلت مبادئ الدعوة السلفية الإصلاحية ماثلة في أذهان الناس، وظل المجتمع النجدي يكن ولاء واحتراما للأسرة السعودية التي وحدت البلاد في ظل دولة إسلامية تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، ووفرت الأمن والاستقرار والرخاء، وتبنت نشر الدعوة والدفاع عنها وعن أتباعها ضد القوات العثمانية والمصرية، ويأتي على رأس هؤلاء المؤيدين الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأئمة الدعوة من أبنائه وأحفاده، وعلماء البلاد، وكلهم أصحاب نفوذ وتأثير في مجتمعهم لما كانوا يتمتعون به من منـزلة دينية وعلمية محترمة ومقدرة من قبل الجميع.
الطابع الديني لقيام الدولة
زاد تقرب الناس في نجد من السلطة السعودية، ذات الطابع الديني والوطني والمحلي؛ بسبب ما وصلت إليه أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية من ترد، بالإضافة إلى سوء المعاملة التي عاملهم بها جنود محمد علي باشا أثناء حروبهم في نجد، وبعد انسحابهم منها، فقد عذبت عددا من العلماء، والأهالي، ودمرت الدرعية، وضربت أسوارها بالمدافع، وأسر إبراهيم باشا حوالي أربعمائة من العلماء والزعماء والشيوخ، وبخاصة كل من أمسكوا به من آل سعود، وآل الشيخ؛ وبناء عليه، فقد عالج كل من محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا المسألة النجدية من زاوية سياسية فقط، واعتقدوا أنه الحل دون النظر إلى القضايا الأخرى في المسألة، تلك القضايا التي ظلت تشكل الحجر الأساسي في قيام الدولة السعودية الثانية، ومن أكبر أخطاء الدولة العثمانية وواليها محمد علي باشا أنهم ظلوا يقدرون الأمور والمسائل الشائكة وعلاجها من منطلق مفهوم سياسي فقط.
مقومات قيام الدولة السعودية الثانية
في البداية نتحدث عن جهود الأمير مشاري بن سعود آل سعود؛ فقد حاول محمد بن مشاري بن معمر أن يسد الفراغ السياسي الذي أحدثه رحيل إبراهيم باشا عن الدرعية والأراضي النجدية الأخرى فيما بعد، وقد راودت ابن معمر فكرة بناء وحدة سياسية في نجد تكون بزعامته وزعامة أسرته، وهو لا يمانع من أن يدين بولائه للدولة العثمانية ممثلة في سيادة محمد علي باشا، إلا أن محاولة ابن معمر فشلت ليس بسبب عجزه، وإنما بسبب ظهور الأمير السعودي مشاري بن سعود الكبير، أخي الإمام عبد الله بن سعود، آخر أئمة الدولة السعودية الأولى، وهو مطالب شرعي بالحكم في نجد وغيرها من مناطق الجزيرة العربية التي كانت تحت السيادة السعودية في عهد الدولة السعودية الأولى. فقد هرب الأمير مشاري بن سعود الكبير من حراسه أثناء توجه قافلة الأسرى السعوديين من المدينة المنورة إلى ينبع، فعاد إلى نجد، ووصل إلى الوشم وجمع الأنصار والأعوان من مؤيدي آل سعود وتوجه بهم إلى الدرعية، فتنازل له محمد بن مشاري بن معمر عن الحكم، لكنه ظل يبطن غير ما يظهر، مستخدما أسلوب اللين ثم عاود الدهاء في التعامل مع الأمير السعودي مشاري بن سعود الذي أيده الناس وبايعوه على الحكم.
ابن معمر يتمكن من الحكم
وبعد فترة قصيرة خرج ابن معمر من الدرعية وتوجه إلى بلدة سدوس بحجة زيارة أقاربه فيها، لكنه أخذ يجمع الأنصار وشكل منهم قوات تدعمه وتمكنه من السيطرة على الحكم في الدرعية، وهو أمر ظل يراوده كثيرا، وقد استمال إلى جانبه الشيخ فيصل الدويش، شيخ قبيلة مطير الذي أرسل إليه عددا من أتباع قبيلته، وقد تمكن محمد بن مشاري بن معمر من الهجوم على الدرعية ولم يتمكن مشاري بن سعود من الدفاع عنها، فألقى ابن معمر القبض عليه، وزج به في السجن، ثم أرسله بعد ذلك إلى سدوس، ثم تقدم ابن معمر إلى الرياض ودخلها بعد أن كان الأمير تركي بن عبد الله قد خرج منها عندما سمع بقدوم ابن معمر وقواته إليها؛ وهكذا تمكن ابن معمر من انتزاع الحكم من الأمير مشاري بن سعود، مصمما على مد نفوذه في ربوع نجد، وأرسل ابن معمر إلى القيادة العثمانية المصرية أخبار ما حدث، معلنا ولاءه لتلك القيادة، وهي أعمال تعد موافقة لمصالح الدولة العثمانية في المنطقة.
مصير الأمير مشاري بن سعود
أما عن مصير الأمير مشاري بن سعود الموجود في السجن في سدوس، فقد سلمه جماعة ابن معمر إلى قيادة القوات العثمانية المصرية المرابطة في سدوس، وقد أرسلته تلك القيادة بدورها إلى قيادة القوات العثمانية المصرية في عنيزة، وهناك وضع في السجن ومات فيه عام 1236هـ،1820م.
وتعد محاولة الأمير مشاري بن سعود في سبيل إعادة مجد أسرته السياسي والاجتماعي محاولة سعودية أولى جادة هدفها إعادة بناء الدولة السعودية في دورها الثاني، إلا أن محاولته هذه جوبهت بحركة محلية مضادة هدفها هي الأخرى بناء وحدة سياسية محلية تابعة للدولة العثمانية تكون بزعامة أسرة آل معمر، أمراء العيينة قبل قيام الدولة السعودية الأولى.
وقد رأى العثمانيون تدعيم تلك القوة المحلية، ما دامت تدور في فلكهم وتحت لوائهم؛ وعليه فإن ظهور زعامة الأمير مشاري بن سعود كانت قد تزامنت مع تحديات القوى النجدية المحلية غير القوة السعودية في منطقة نجد، وتزايد قوة القوى المحلية الأخرى خارج نجد، وهي أمور أعاقت نجاح حركة مشاري ابن سعود، بالإضافة إلى عداوة الدولة العثمانية لآل سعود وأتباعهم.
جهودُ الأميرِ تركي بنِ عبد الله آل سعود
جهود الأمير تركي بن عبد الله آل سعود
ظهر الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود على مسرح الأحداث السياسية في بلاد نجد في عهد إمارة محمد بن مشاري بن معمر الذي كون إمارة قصيرة العهد في الدرعية وما حولها من بلدان كالرياض مثلا، وكان ذلك في أعقاب رحيل إبراهيم باشا عن الدرعية، وحاول ابن معمر بذلك أن يكون إمارة نجدية محلية تحت زعامة أسرة آل معمر، وتابعة للعثمانيين وواليهم محمد علي باشا.
وتبين الروايات التاريخية النجدية أن تركي بن عبد الله أيد ابن معمر وسانده ودعمه يوم أن ظهر في الدرعية بعد رحيل إبراهيم باشا عنها، ولكن موقف تركي وولاءه لابن معمر قد تغير تماما بعد ما غدر بابن عمه مشاري بن سعود.
السيطرة على مقاليد الحكم
دأب الأمير تركي بن عبد الله في فترتي حكمه على إعادة تكوين الدولة السعودية بعد انهيارها على يد إبراهيم باشا، ففاجأ محمد بن مشاري بن معمر في الدرعية وألقى عليه القبض، وتولى الحكم فيها، وأيده سكانها، ثم هاجم الرياض ودخلها وألقى القبض على مشاري بن محمد بن معمر؛ وبهذا يكون الأمير تركي بن عبد الله قد سيطر على مقاليد الحكم بعد أن أزاح من طريقه قوة محلية نجدية منافسة هي قوة آل معمر ونفوذهم في المنطقة، وقرر تركي بن عبد الله أن يتخذ من الرياض عاصمة له عوضا عن الدرعية التي تحطمت فيها كل وسائل الدفاع عنها كالقلاع والحصون والأسوار وما إلى ذلك.
وقد اشترط تركي على محمد بن مشاري بن معمر وابنه مشاري أن يعملا على إطلاق سراح ابن عمه مشاري، وإلا قتلهما، ولما كان أتباع ابن معمر قد سلموا مشاري بن سعود إلى خليل آغا القائد العثماني في بلدة سدوس، وهو بدوره نقله إلى القيادة العثمانية في عنيزة، ومات هناك في السجن؛ لذا نفذ تركي بن عبد الله فيهما حكم القتل في عام 1236هـ، 1820م.
فيصل الدويش يهاجم الرياض
هاجم فيصل الدويش رئيس قبيلة مطير، ومعه عدد من القوات العثمانية المرابطة في عنيزة الرياض، لكن تركي بن عبد الله وقواته المرابطة داخل المدينة، صدوا الهجوم، وصمدوا في وجه حصار قوات فيصل الدويش للرياض؛ مما اضطر معه فيصل الدويش إلى رفع الحصار عن الرياض والرحيل عنها، متوجها بقواته صوب منطقة الوشم لإعداد حملة قوية يكون بإمكانها السيطرة على الرياض، معتمدا بذلك على القوات العثمانية التي وصلت إلى نجد تحت قيادة القائد العثماني حسين بك، والتي أرسلها محمد علي وابنه إبراهيم باشا إلى نجد لتقويض دعائم السلطة السعودية التي ظهرت من جديد محاولة إعادة تأسيس الكيان السعودي في دوره الثاني.
القوات العثمانية المصرية تحتل الرياض
وصلت القوات العثمانية المصرية إلى منطقة الوشم برئاسة حسين بك، وفي الوشم انتدب حسين بك أحد ضباطه عبوش آغا (آبوش آغا) للتوجه صوب الرياض من أجل احتلالها والقضاء على حكم تركي بن عبد الله، وترتيب الأوضاع الأمنية والإدارية في المنطقة.
واضطر تركي بن عبد الله أن يخرج سرا من الرياض بعد حصار عبوش آغا وقواته لها، متوجها إلى بلدان جنوب الرياض، وبعد أن احتل عبوش آغا بلدة الرياض وصل حسين بك إليها وأمر فيها ناصر بن حمد العائذي وعند رحيله من نجد ترك حاميات من العسكر في أمهات مدن نجد وفتك بمن يظن بهم مقاومة العثمانيين، وصنع في القرى قريبا مما صنعه إبراهيم باشا فعمت الفتن والحروب، وضربت الفوضى أطنابها من جديد، فقتل رئيس حامية الرياض إبراهيم كاشف وأميرها ناصر بن حمد العائذي؛ ومهدت هذه الأحداث لظهور تركي مرة أخرى حيث قدم في رمضان عام 1238هـ، 1822م من بلدة الحلوة لاستئناف الكفاح من جديد لاستعادة ملك آبائه، واتخذ من بلدة عرقة مركزا لعملياته الحربية ضد المحتلين.
تركي يدخل الرياض مرة أخرى
هاجم تركي وقواته التي جمعها من البلدان النجدية القوات العثمانية المصرية الموجودة في منفوحة والرياض، واستطاع في أول الأمر أن يقضي على مقاومة جند الدولة العثمانية في بلدة منفوحة في أواخر عام 1239هـ، 1824م؛ ويكون بذلك قد قضى على معقل من معاقل القوات العثمانية المصرية في منطقة العارض.
وفي مطلع عام 1240هـ، 1824م، توجه تركي بقواته من منفوحة إلى الرياض، فحاصرها حوالي شهر، لكن جندها من العثمانيين والمصريين صمدوا في وجه الحصار إلى أن وصلتهم قوات نجدة بقيادة فيصل الدويش الذي ظل يؤيد محمد علي وقواته، وتمكن فيصل الدويش من فك الحصار عن الرياض، وانسحب تركي إلى بلدة عرقة.
ولما رحل فيصل الدويش مع قواته عاود تركي الهجوم على الرياض، وحاصرها حصارا شديدا، فاضطر القائد العثماني أبو علي المغربي إلى طلب الصلح في مطلع عام 1240هـ،1824م فقبل الأمير تركي ذلك شريطة أن يخرج مع قواته من الرياض ويرحل بهم إلى خارج نجد، علما بأن القوات العثمانية المصرية كانت عادة تأتي من منطقة الحجاز، وعندما ترحل عن نجد تتوجه إلى الحجاز أيضا؛ وهكذا تمكن تركي بن عبد الله من دخول الرياض، وبايعه الناس إماما عليهم.
مشروع توحيد البلاد النجدية
ونشط هذا الإمام في إتمام مشروعه الكبير الرامي إلى توحيد البلاد النجدية تحت حكمه، ثم إعادة المناطق التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى وتوحيدها مع البلاد النجدية في إطار دولة واحدة تعيد أمجاد الدولة السعودية الأولى.
وساعدت حركات أهالي نجد ضد القوات العثمانية المصرية، وعندما أجبرته على الرحيل من بلدان نجد، ساعدت على إنجاح مشروع الإمام تركي بن عبد الله، ونال الإمام تركي بن عبد الله تأييد معظم زعماء نجد وعارض مشروعه عدد قليل منهم؛ مما اضطر الإمام تركي بن عبد الله إلى استخدام القوة العسكرية لإخضاعهم لسيادته، وسيادة الدولة السعودية.
توحيد جميع نجد
وبفضل جهود الإمام تركي بن عبد الله، وبفضل ما لقيه من دعم وعون من أهالي نجد، تمكن هذا الإمام من توحيد جميع نجد في أواخر عام 1243هـ، 1828م.
وتابع الإمام جهوده في محاولة لاستعادة المناطق التي كانت تابعة لدولة أجداده غير إقليم نجد، فاستطاع ضم منطقة الأحساء بكاملها، وضم أجزاء واسعة من أرض سلطنة عمان، وأيده سكان البادية ودفعوا له الزكاة، دلالة على التبعية لحكمه وسيادته، وبذلك استطاع الإمام تركي بن عبد الله أن يقيم الحكم السعودي الجديد، وينشر الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، وقد ساعده ابنه فيصل بن تركي في إنجاح مشروعه الكبير عندما كان يقود القوات السعودية ضد المعارضين والمتمردين على حكم أبيه، وعندما كان يتولى شؤون الحكم والإدارة أثناء غياب والده؛ وبذلك يكون فيصل بن تركي قد ساعد أباه تركي بن عبد الله في بناء صرح الكيان السعودي الجديد الذي ورث الدولة السعودية الأولى، وبفضل سياسة الإمام تركي بن عبد الله الواعية، وحكمته وتجربته الإدارية والحربية وشجاعته وعدله، دخلت البلاد في عهد جديد من الأمن والاستقرار.
نهاية الإمام تركي
كانت نهاية الإمام تركي بن عبد الله آل سعود مفجعة حقا عندما قتل في مؤامرة أواخر ذي الحجة في عام 1249هـ، 1834م، دبرها ابن أخته الأمير مشاري بن عبد الرحمن آل سعود، وبعد وفاة الإمام تركي بن عبد الله أعلن مشاري بن عبد الرحمن آل سعود نفسه أميرا على الرياض، ولكنه لم يتمتع بهذا الحكم أكثر من أربعين يوما فقط، تمكن بعدها فيصل بن تركي بن عبد الله من استرداد الحكم؛ وبهذا يكون تركي بن عبد الله قد حكم فترتين دامت الأولى من عام 1235- 1236هـ، 1819 - 1820م، والأخرى من عام 1238 - 1249 هـ، 1822 - 1834م.
جهودُ فيصل بنِ تركي آل سعود
جهود فيصل بن تركي آل سعود
كان فيصل بن تركي من بين الأسرى السعوديين الذين أرسلهم إبراهيم باشا إلى القاهرة بعد احتلاله للدرعية والقضاء على الدولة السعودية الأولى في عام 1233هـ، 1818م، وظل في القاهرة حتى تمكن من العودة إلى نجد ليساعد والده تركي بن عبد الله آل سعود في بناء الدولة السعودية التي كان يحاول تركي تأسيسها من جديد بعد رحيل إبراهيم باشا وقواته عن الدرعية وغيرها من بلدان نجد، وبالفعل، فإن فيصل بن تركي أصبح الساعد الأيمن لوالده.
توطيد الحكم
كان فيصل، في الوقت الذي قتل فيه والده تركي بن عبد الله، في المنطقة الشرقية، يعمل على توطيد الحكم هناك، وتنظيم إدارة المنطقة.
وفي القطيف، اجتمع فيصل بمستشاريه وأعوانه من أمثال عبد الله بن رشيد، وعمر بن عفيصان، وقرر الجميع إرسال بعض القوات السعودية الموجودة في المنطقة الشرقية إلى الرياض للقضاء على حركة التمرد التي قادها مشاري بن عبد الرحمن ضد حكم تركي بن عبد الله آل سعود.
فيصل يصطدم بأطماع محمد علي
اصطدم مشروع فيصل بن تركي ومحاولاته من أجل بناء الدولة السعودية الثانية، وتركيز دعائمها، بأطماع محمد علي باشا وخططه التوسعية على حساب أملاك الدولة العثمانية في ولاياتها العربية، فثار محمد علي على الدولة العلية العثمانية، ودخل معها في حروب طويلة، وانتصر على قواتها، وضم إلى حكمه ولايات عثمانية عربية غير ولاية مصر، وقرر محمد علي باشا أن يثبت دعائم مشروعه الكبير الواسع في السيطرة على الجزيرة العربية التي كانت ضمن مشروعه هذا.
وهنا كان لا بد أن تصطدم أطماع محمد علي باشا مع القوى المحلية في شبه الجزيرة العربية وعلى رأسها القوة السعودية التي يقودها الإمام فيصل بن تركي، إذ أن فترة حكم الإمام تركي في المرة الأولى كانت قد تزامنت مع قيام محمد علي باشا بحركته الانفصالية ضد العثمانيين، وأهدافه ومشروعاته التوسعية في أجزاء من البلاد العربية التابعة لحكم الدولة العثمانية.
حملة إسماعيل بك على نجد
أرسل محمد علي باشا حملة عسكرية قوية على نجد بقيادة إسماعيل بك، ورافقه فيها الأمير السعودي خالد بن سعود الكبير، أخو الأمام عبد الله بن سعود الكبير، آخر حكام الدولة السعودية الأولى، ونلحظ هنا أن محمد علي باشا حرص كل الحرص على أن تكون حملاته الجديدة على نجد وغيرها، حملات قوية ومنظمة إلى حد ما؛ لكي توازي أطماعه التوسعية الرامية إلى إقامة دولة عربية واسعة تحت زعامته، تكون الجزيرة العربية ضمن حدودها؛ لأنه يوجد فيها مكة المكرمة والمدينة المنورة من جهة، ولأنها تساعده على نشر سلطته وسيادته على مناطق الخليج، وتوصله إلى مناطق العراق من جهة أخرى. وكان محمد علي باشا قد أرسل مع الحملة الأمير السعودي خالد بن سعود، وقد أراد محمد علي باشا من وراء ذلك أن يقنع الأهالي في نجد بأن السلطة الجديدة ما هي إلا سلطة محلية وطنية، وعن طريقها يمكنه فرض سيادته وسلطته على البلاد النجدية.
رحيل فيصل بن تركي إلى القاهرة
على الرغم من محاولة الإمام فيصل بن تركي الجادة لوقف الزحف العسكري المصري الممثل بزعامة محمد علي باشا، لكنه فشل في نهاية الأمر تحت ضغط القوات المصرية التي دعمها محمد علي باشا وقواها عندما ساندها بحملة عسكرية أخرى تحت قيادة القائد العسكري المحنك خورشيد باشا، واضطر الإمام فيصل بن تركي بعد مقاومة أبداها ضد القوات المصرية إلى الاستسلام، والذهاب إلى القاهرة منفيا على شرط أن يؤمن خورشيد أتباع فيصل على أرواحهم وأموالهم. وكان استسلام الإمام فيصل بن تركي في العشر الأواخر من شهر رمضان في عام 1254هـ، ديسمبر عام 1838م.
وهكذا ضاع الجهد السعودي كله، وسيطرت قوات محمد علي باشا على البلاد، وانتهى حكم فيصل بن تركي في فترته الأولى التي امتدت من عام 1250 - 1254هـ، 1834 - 1838م. وقد عرف فيصل بن تركي بحنكته وحكمته، وسار في حكم البلاد سيرا حميدا وموفقا، وقد أيده الناس، وعدوه رمزا وطنيا دافع عن استقلال بلادهم، وحرص على تثبيت دعائم الحكم السعودي الوطني المحلي، وهو أمر أيده الكثيرون في البلاد النجدية، كذلك فإن الإمام فيصل بن تركي كان يتمتع بشخصية محبوبة، وكانت له تجارب كبيرة في المجالات الحربية والسياسية والإدارية، وظل يقود المقاومة ضد حكم محمد علي في نجد خاصة والجزيرة العربية عامة بكل إصرار وعناد؛ مما أكسبه شعبية كبيرة بين أهالي نجد وغيرها من الأقاليم الأخرى في الجزيرة العربية.
الدول الأوروبية تحاصر أطماع محمد علي
وباستسلام الإمام فيصل بن تركي لخورشيد باشا، بدأ النفوذ المصري المتمثل بسيادة محمد علي باشا في الانتشار والامتداد باتجاه المناطق الساحلية الشرقية من الجزيرة العربية، مدعيا أن نفوذه السياسي والعسكري هو خليفة للنفوذ السعودي، وهو أمر أخذت أوروبا تتخوف منه، وراودها الشك عندما علمت بمشروعات محمد علي باشا التوسعية، فبدأت تعمل بالتعاون مع أعدائه على وقف نشاطه التوسعي والعمل على تقليم أظافره، وتحديد دائرة نفوذه في ولاية مصر فقط، وهو أمر نفذته بريطانيا مع غيرها في معاهدة لندن في عام 1256هـ، 1840م، واضطرته إلى سحب جميع قواته من كل الولايات العثمانية التي احتلها أثناء حركة انفصاله، فسحب قواته من الجزيرة العربية وبلاد الشام. وأبقى خورشيد باشا الأمير خالد بن سعود على حكم البلاد النجدية تاركا معه عددا قليلا من الحاميات العسكرية المصرية بعد أن وصلت الأوامر من محمد علي باشا إلى خورشيد باشا بالتوجه فورا إلى مصر مع معظم قواته، باستثناء عدد قليل من الجنود الاحتياطيين الذين بقوا في نجد تحت إشراف الأمير خالد بن سعود من أجل حمايته ودعمه.
وبانسحاب خورشيد باشا وجنده، انتهى حكم محمد علي باشا المباشر في الجزيرة العربية عامة، ونجد خاصة، وتسلم خالد بن سعود الحكم في نجد.
عهد عبد الله بن ثنيان
لم يمكث خالد بن سعود في حكم نجد وقتا طويلا؛ لأن الأهالي في نجد عدوه صنيعة محمد علي باشا، وآلته التي استخدمها من أجل تركيز نفوذه في البلاد، كما أن حكم خالد بن سعود اختلف في نمطه وأسلوبه ونهجه عن أسلوب الحكم السعودي المتعارف عليه في البلاد؛ لذا لم يلق تأييد الأهالي، بل نفروا منه، وأيدوا بالفعل الأمير السعودي عبد الله بن ثنيان الذي رفع علم المقاومة ضد حكم خالد بن سعود، وانتهى الأمر بفرار خالد وتسلم عبد الله بن ثنيان الحكم في نجد، واستطاع ابن ثنيان أن يسيطر على الأمور ليس في نجد فقط، وإنما بسط نفوذه على كل المناطق التي كانت تابعة للسيادة السعودية في عهد الإمامين، تركي بن عبد الله، وابنه فيصل بن تركي آل سعود، ودام حكم عبد الله بن ثنيان لفترة عامين فقط، تمكن فيهما من تثبيت السيادة الوطنية السعودية، وإخراج كل القوات العسكرية الموالية لمحمد علي باشا، والتي ظلت في البلاد النجدية لدعم نظام خالد بن سعود الموالي لحكم محمد علي باشا.
وانتهى حكم عبد الله بن ثنيان في منتصف شهر جمادى الآخرة في عام 1259هـ، 1843م.
واتصف حكم عبد الله بن ثنيان بالقوة والشدة وكثرة الإجراءات التأديبية؛ مما سبب نقمة عليه من جانب عدد كبير من الأهالي، ومهد السبيل لنجاح فيصل بن تركي آل سعود وتغلبه على ابن ثنيان.
عودة فيصل بن تركي من مصر
عاد فيصل بن تركي من منفاه في القاهرة إلى نجد بعد توقيع معاهدة لندن في عام 1256هـ، 1840م، ويرجح أن تكون السلطات المصرية هي التي أمرت بإطلاق سراحه بعد تغير الظروف العامة والدولية، خاصة بالنسبة لمشروعات محمد علي باشا وتوسعاته، ولا يستبعد أن تكون السلطة في مصر هي التي دبرت خروجه من القاهرة وهيأت له سبل ذلك، وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن عباس الأول حفيد محمد علي باشا هو الذي دبر أمر خروجه من السجن؛ لأنه كان معجبا بذكائه ونضج عقله وتدينه.
وعباس باشا كان من مساعدي محمد علي باشا، ومن المقربين منه، فأشار على جده أن يطلق سراحه فوافق جده على هذا الرأي.
فيصلُ بنُ تركي وبناءُ الدولةِ السعوديةِ المستقرةِ
انتصار فيصل بن تركي على ابن ثنيان
وصل فيصل بن تركي إلى جبل شمر، وأقام مدة قصيرة في حائل عند صديقه الحميم عبد الله بن رشيد، أمير جبل شمر، وأثناء إقامة فيصل بن تركي في حائل، أخذ يراسل حكام مناطق نجد، وأمراء بلدانها، وشيوخ القبائل طالبا منهم الدعم والعون والتأييد ضد عبد الله بن ثنيان الذي حكم البلاد بعد فشل خالد بن سعود في المحافظة على سلطته بعد رحيل القوات المصرية عن البلاد من جهة، وقيام حركة ابن ثنيان من جهة أخرى. وكان فيصل بن تركي محبوبا في بلدان نجد، وكان في نظرهم الزعيم السعودي الذي يستحق المبايعة والدعم؛ لما له من مواقف وبطولات سجلها في مقاومة حكم محمد علي باشا، فعدوه بطلا وطنيا محليا يعبر عن استقلالهم وحريتهم، فأطاعه معظم أهالي القصيم وغيرها من مناطق نجد، ودعموه وساعدوه؛ مما أضعف معه مقاومة ابن ثنيان الذي أصر على مخاصمة فيصل وحربه أملا في البقاء في الحكم، وانتصر فيصل بن تركي على خصمه ابن ثنيان، ودخل الرياض، وحاصر ابن ثنيان في قصر الحكم، وعلى الرغم من محاولة ابن ثنيان الهرب لكن أتباع فيصل قبضوا عليه وسلموه إلى فيصل بن تركي فوضعه في السجن، ومات فيه بعد حوالي شهر من سجنه.
عدالة حكم الإمام فيصل بن تركي
وقد وصف أحد المستشرقين حكم الإمام فيصل بن تركي بقوله: «إن جميع الأطراف الشرقية اعترفت بعدالة حكم الإمام فيصل بن تركي وشدته، وأن حكمه لم يسبق له مثيل في النجاح، فقد كبح جماح القبائل، ونشر بينهم عادات المتحضرين، ووجه أفكارهم نحو الزراعة والتجارة».
وتعد الفترة الثانية من حكم الإمام فيصل بن تركي من عام 1259 - 1282هـ، 1843 - 1865م فترة تكوين الدولة السعودية الثانية وبنائها على أساس قوي وفي جو سياسي واجتماعي واقتصادي مستقر. وحكم فيصل بن تركي في هذه المرة حكما طويلا مستمرا بلغ حوالي 23 سنة، أخمد فيها حركات التمرد وما كانت تنتاب البلاد من قلاقل واضطرابات وحروب، وكانت فترة حكم الإمام فيصل بن تركي في المرة الثانية (حقا) فترة سلام نسبي.
جهود الإمام فيصل بن تركي
حاول الإمام فيصل بن تركي أثناء فترة حكمه الثانية تكوين علاقة ودية مع الدولة العثمانية، ونجح في ذلك إلى حد ما مما جنبه الدخول في مشكلات معها، وأمن تدخلها في شؤونه، حتى بدأت الدولة العثمانية سياسة تقوية قبضتها على البلاد العربية، ودب النزاع بين أبناء الإمام، فعاودت الدولة تدخلها باحتلال مدحت باشا الأحساء في عام 1288هـ، 1871م.
كما أقام الإمام فيصل بن تركي علاقة حسنة مع الحكومة المصرية، وساد جو من الهدوء والسلام مع القوى المحلية المحيطة بدولته، ونظم شؤون دولته في المجالات: الإدارية، والاقتصادية، والقضائية، وثبت الحكم السعودي على أساس قوي وفي جو سياسي مستقر، وأرسى قواعد الأمن والاستقرار، وقوى من شأن الرياض عاصمة الدولة السعودية، وفرض طاعته واحترامه على الجميع، وقد وافته منيته في الرياض في شهر رجب في عام 1282هـ، 1865م، وبموته تكون الدولة السعودية الثانية قد فقدت أكبر حكامها، وقد خلفه في الحكم أكبر أولاده وهو عبد الله بن فيصل بعد أن بايعه الأهالي إماما عليهم.
ضعفُ الدولةِ السعوديةِ الثانيةِ
عهد الأمير عبد الله بن فيصل
كان الأمير عبد الله بن فيصل أكبر إخوته، والساعد الأيمن لوالده، الإمام فيصل بن تركي، في قيادة المعارك وإدارة شؤون البلاد، ولهذا اختاره وليا لعهده، وبعد ما توفي الإمام فيصل، في سنة 1282هـ، 1865م، بويع ابنه، عبد الله، بالإمامة.
لكن لم تمض سنة من حكمه إلا وقد اختلف معه أخوه الأمير سعود، وخرج من الرياض مغاضبا له، واحتدم الخلاف بين الأخوين حتى أدى إلى نشوب معارك بين الأمير سعود ومن انضم إليه من فئات قبلية وبين قوات الإمام عبد الله.
معركة المعتلى
كانت معركة المعتلى في عام 1283هـ، 1867م وهي من المعارك الضارية، فقد قتل فيها عدد كبير من الطرفين وخاصة أتباع سعود، وجرح سعود جروحا بليغة، وأصيب في إحدى يديه، فلجأ إلى إحدى القبائل، وبقي عندها للتداوي حتى برئت جراحه. معركة جودة: لم يكتف المغرضون بما انتهت إليه معركة المعتلى من نتائج وصاروا يحرضون الأمير سعودا على معاودة الكرة، فأعد جيشا كثيفا جمعه من القبائل الموالية له، والتقى هذا الجيش بقوات الإمام عبد الله الفيصل على ماء (جودة) في عام 1287هـ، 1870م ودارت بين الجيشين معركة شرسة تعد من المعارك الفاصلة في تاريخ هذا النـزاع، وهزمت قوات الإمام عبد الله واستولى سعود على الأحساء، ثم واصل نشاطه العسكري واستولى على الرياض في عام 1288هـ، أبريل 1871م.
وقعة البرة: عند ما علم الإمام عبد الله الفيصل بهزيمة جيشه واستيلاء أخيه على الأحساء والمنطقة الشرقية، توقع أن يواصل سعود زحفه على الرياض، فقرر مغادرتها درءا للشر، ولكي يجنب الرياض وأهلها حربا غشوما وقودها الرجال والمال، فخرج بما بقي معه من قوة وثروة، وفي الطريق التقـت قواته بجيش أخيه سعود في البرة في جمادى الأولى في عام 1288هـ، يوليو 1871م، وحلت الهزيمة بقوته (في معركة غير متكافئة) فهام على وجهه يطلب العون من أهل نجد فلم يجبه أحد، وعندما فقد الأمل استجار بالأتراك العثمانيين في العراق (فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار) فأعد مدحت باشا جيشا من الجنود النظاميين تسانده بعض القبائل فانتزعوا الأحساء من إمارة سعود واحتلوها وأطلقوا عليها اسم ولاية نجد.
وتوفي الإمام سعود في ذي الحجة في عام 1291هـ، يناير 1875م وبايع أهل الرياض الإمام عبد الرحمن بن فيصل؛ لأنه كان موجودا في الرياض، وعندما عاد أخوه عبد الله في عام 1293هـ تنازل له عن الإمامة، لكن أبناء أخيه سعود خرجوا عليه فيما بعد، وقبضوا عليه في الرياض في عام 1305هـ، ففتح هذا التصرف الباب لتدخل الأمير محمد بن عبد الله الرشيد الذي أجهز على الدولة السعودية الثانية.
الموقف العثماني من الفتنة الأهلية
لم تقف الدولة العثمانية موقف المشاهد من نزاع الأخوين الدائر بين الإمام عبد الله بن فيصل وأخيه الأمير سعود بن فيصل، بل كانت دوما تتحين الفرص من أجل استعادة سيادتها على مناطق الخليج العربي الساحلية، خاصة في منطقة الأحساء وقطر وغيرهما من مناطق الخليج العربي.
الاستعانة بالعثمانيين
وجاءت الفرصة للدولة العلية العثمانية عندما طلب الإمام عبد الله بن فيصل من مدحت باشا والي بغداد مسـاعدة الدولة العثمانية له ضد حركة أخيه سعود، خاصة بعد انتصار سعود وقواته على قوات الإمام عبد الله في وقعة جودة في رمضان عام 1287هـ، 1 ديسمبر عام 1870م، والتي قتل فيها كثير من الطرفين، ووقع الأمير محمد بن فيصل أسيرا في قبضة القوات الموالية للأمير سعود بن فيصل ودخل الأمير سعود بن فيصل على أثرها الرياض وبايعه أهلها.
وكما هو معروف فإن الدولة العثمانية كانت ترمي إلى تركيز دعائم الحكم العثماني في ولاياتها الشرقية؛ ولذا نجدها تضاعف حامياتها في كل ولاياتها، خاصة في الحجاز واليمن والعراق، وعينت كذلك مدحت باشا الرجل الشديد والطموح حاكما عاما على العراق، وأطلقت يده في بسط نفوذ الدولة العثمانية في أي اتجاه يراه مناسبا.
ومما ساعد الدولة على تحقيق مخططاتها الجديدة افتتاح قناة السويس في عام 1286هـ، 1869م، فأصبح في مقدورها إرسال حملات عسكرية بحرية كبيرة تساند قواتها البرية، بالإضافة إلى ما قامت به الدولة العثمانية من تنظيمات عسكرية في أعقاب حرب القرم.
احتلال الأحساء
جاء طلب عبد الله بن فيصل النجدة من والي بغداد فرصة جيدة للدولة العثمانية لتنفيذ ما خططت له، على الرغم من معارضة بريطانيا وادعائها بأن مثل هذه المخططات العثمانية تعكر من صفو السلام في المنطقة؛ وبناء عليه، أرسل مدحت باشا حملة عسكرية قوية ومنظمة في عام 1288هـ، 1871م إلى منطقة الأحساء واحتلتها، وأطلقت عليها اسم ولاية نجد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدحت باشا كان قد وعد الإمام عبد الله بن فيصل بتعيينه قائم مقام على نجد ولكنه أخلف وعده. وقد ترتب على الحملة العثمانية انسلاخ المنطقة الشرقية عن الدولة السعودية الثانية؛ فزاد بذلك ضعف الدولة السعودية الثانية، وخاصة موقف الإمام عبد الله بن فيصل، ولم يكن ذلك إلا بسبب الخلاف الدائر بين عبد الله بن فيصل وسعود بن فيصل والقوى المؤيدة لكل منهما.
موقف آل رشيد من الفتنة
استفاد آل رشيد من الفتنة الأهلية فأخذوا يوسعون دائرة نفوذهم في البلدان النجدية غير جبل شمر؛ فتدخل الأمير محمد بن رشيد في شؤون القصيم الداخلية في عام 1293هـ، 1876م، وتدخل محمد بن رشيد أيضا في فك الحصار عن بلدة المجمعة التي حاصرها الإمام عبد الله بن فيصل في عام 1299هـ، 1882م، واضطر الإمام عبد الله إلى فك الحصار عنها تحت ضغط قوات محمد بن رشيد التي كان يناصرها حسن بن مهنا الذي انضم بقواته إلى جانب قوات ابن رشيد، ومعروف أن الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد يعد بحق من أشهر أمراء جبل شمر بعد عبد الله بن رشيد مؤسس إمارة آل رشيد، إذ توسعت الإمارة الرشيدية في عهده فشملت، إلى جانب جبل شمر، منطقة الجوف ووادي السرحان، ودام حكم هذا الأمير قرابة ربع قرن.
وقعة أم العصافير
انتصر الأمير محمد بن رشيد على قوات الإمام عبد الله بن فيصل في وقعة أم العصافير قرب المجمعة عندما هب ابن رشيد، وحسن بن مهنا لنجدة المجمعة التي ظلت ترفض الولاء والطاعة للإمام عبد الله بن فيصل، في وقت كانت تعيش فيه بلدان نجد في جو من الحروب والمنازعات والفوضى؛ بسبب ضعف السلطة المركزية السعودية نتيجة استمرار الفتنة الأهلية، وبعد وقعة أم العصـافير تمكن الأمير محمد بن رشيد من فرض سيطرته على إقليمي الوشم وسدير، ويكون بذلك قد قوض دعائم الحكم السعودي بشكل تدريجي، إذ انحصر هذا الحكم في منطقة العارض ومناطق جنوبي الرياض، حتى إن مناطق جنوبي الرياض ظلت وقتها تؤيد أولاد الأمير سعود بن فيصل المعارضين لحكم عمهم الإمام عبد الله بن فيصل.
محمد بن رشيد يدخل الرياض
تدخل محمد بن عبد الله بن رشيد في الحوادث الدائرة في الرياض في الوقت الذي دخل فيه أبناء الأمير سعـود بن فيصل الرياض وقبضوا على عمهم، فجاء محمد بن رشيد بقواته إلى الرياض بحجة مساعدة الإمام عبد الله بن فيصل، واستطاع محمد بن رشيد دخول الرياض والسيطرة على مقاليد السلطة الفعلية فيها، وقبل مغادرته عين سالم بن سبهان أميرا على الرياض كحاكم فعلي فيها، وذهب الإمام عبد الله بن فيصل وأخوه عبد الرحمن بن فيصل مع محمد بن رشيد إلى حائل وظلا هناك من عام 1307هـ، 1889م، وهكذا تطورت الحوادث وتسارعت الأمور بشكل كبير ضد الدولة السعودية الثانية.
عهد عبد الرحمن بن فيصل
توفي الإمام عبد الله بن فيصل في 8 ربيع الآخر من عام 1307هـ، 24 نوفمبر عام 1889م، ونودي بأخيه الأمير عبد الرحمن بن فيصل إماما للدولة السعودية الثانية التي كانت تحتضر. وقد امتاز الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالكفاءة والقدرة وحسن التدبير، إلا أنه تزعم الدولة في ظروف ليست في صالحه، فابن رشيد كان حينذاك يخطط لإنهاء حكم آل سعود، وإسقاط الدولة السعودية ليحل مكانها حكم آل رشيد وقيادتهم لنجد؛ لذا قرر محمد بن رشيد أن يتخلص من الإمام عبد الرحمن بتدبير مؤامرة لاغتياله بواسطة تابعه سالم بن سبهان الذي أصبح له نفوذ كبير في الرياض، ولكن الإمام عبد الرحمن اكتشف المؤامرة، وزج بسالم بن سبهان في السجن، فاستغل محمد بن رشيد هذا الحادث لتنفيذ مخططه الرامي إلى السيطرة على جميع نجد.
الاتفاق مع محمد بن الرشيد
توجه محمد بن رشيد في عام 1308هـ،1890م بقواته إلى الرياض، وحاصرها وقطع الكثير من نخيلها، وناوشه أهلها.
وشكل الناس في الرياض وفدا لمفاوضة ابن رشيد، وكان رئيس الوفد الأمير محمد بن فيصل آل سعود، أخا الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود ومعه ابن أخيه عبد العزيز بن عبد الرحمن والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، وتم الاتفاق على:
  1. يطلق الإمام عبد الرحمن بن فيصل سراح سالم بن سبهان.
  2. أن تكون سيادة عبد الرحمن بن فيصل على منطقتي العارض والخرج.
وقعة حريملاء
لم يدم هذا الاتفاق طويلا؛ لأن محمد بن رشيد حارب أهالي القصيم وهزمهم في وقعة كبيرة هي وقعة المليدا الفاصلة التي سيطر في أعقابها محمد بن رشيد على منطقة القصيم، وتفرغ بعد ذلك لمواجهة الوضع في الرياض، حيث أخذ يطوي بلدان نجد تدريجيا تحت سيادته، وهكذا لم تصبح لدى الإمام عبد الرحمن بن فيصل آل سعود قوة كافية لمواجهة أطماع الأمير محمد بن رشيد، ولم يكن قادرا على إيقاف تقدمه صوب الرياض، خاصة بعد وقعة المليدا، فقرر الإمام عبد الرحمن بن فيصل مغادرة الرياض هو وأفراد أسرته، وقد ترك أخاه محمد بن فيصل يحكم الرياض نائبا عنه في عام 1308هـ، 1890م.
وذهب عبد الرحمن بن فيصل إلى قبيلة العجمان، ومع أن الإمام عبد الرحمن بن فيصل حاول أن يجمع القوات المناصرة له ليعيد نشاطه ضد ابن رشيد، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل عندما انتصر محمد بن رشيد وقواته على عبد الرحمن بن فيصل وقواته قرب بلدة حريملاء، واضطر عبد الرحمن بن فيصل للعودة إلى قبيلة العجمان ليقيم في كنفها، ويعد عام 1309هـ، 1891م، العام الذي وقعت فيه وقعة حريملاء، وانتهت الدولة السعودية الثانية وسقطت، ثم حلت محلها في نجد سيادة أسرة آل رشيد تحت زعامة الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد الذي قضى على الدولة السعودية الثانية، واستقر المطاف بآل سعود ليحلوا ضيوفا على شيخ الكويت.
نتائج الفتنة
عمت البلاد حروب شملت بلاد نجد، وامتدت خارجها، وسادت البلاد السعودية حالة من الفوضى دامت أكثر من ثلاثين سنة، وعادت الصراعات القبلية، وبرزت روح العداء التقليدي بين الجماعات الحضرية والبدوية، وظهرت روح العداء بين الجماعات والعائلات الحضرية التي كانت متعادية ومتناحرة قبل مجيء السلطة المركزية القوية التي استطاعت إخماد جذوة الفتن وكسر حدة عنفها.
وقد شجعت الفتنة آل رشيد على السيطرة على كل البلاد النجدية، وتمكن العثمانيون من سلخ المنطقة الشرقية؛ مما أدى إلى زوال الدولة السعودية الثانية، وتشجيع إمام عمان فانتزع منطقة البريمي التي ظلت تخضع للدولة السعودية على مر حقب تاريخها، ونعمت بريطانيا باستقرار نفوذها في الخليج بعد أن ضعفت القوة المحلية المؤثرة.
الوضع الاقتصادي للبلاد
لقد انشغل الأهالي في الحروب، وساد جو من عدم الأمن والاستقرار مما أثر على الوضع الاقتصادي في منطقة نجد خاصة؛ لأنها مركز الفتنة، وأرضها؛ فتراجعت الزراعة والتجارة والصناعة، وأثر ذلك على الرعي، وسادت حركة القوافل التجارية حالة من القلق وعدم الاطمئنان الناجمين عن فقدان الأمن في الطرق التجارية؛ مما شجع بعض الجماعات البدوية على أخذ الأتاوى التجارية العالية، وشجع بعضها على قطع الطرق التجارية والسيطرة على حمولة القوافل التجارية بالقوة بعد زوال السلطة المركزية القوية، وأمر بديهي أن تتأثر الأوضاع الاقتصادية بالأوضاع السياسية في المنطقة، فكلما عم الأمن والاستقرار والهدوء والسلام في البلاد، ازدهرت الحياة الاقتصادية.
ونتج عن الفتنة تمزيق وحدة المجتمع بعد أن تهيأت له أسباب الانقسام كدخول القبائل في حروب ضد بعضها البعض، وأثرت الفتنة على الحياة التعليمية والثقافية في البلاد، فشلت حركة الكتاتيب، ومن ناحية أخرى ألهبت الحروب عواطف الشعراء ففاضت قرائحهم بالشعر الذي يصف الفتنة ونتائجها ومدى المساوئ السياسية والاجتماعية التي خلفتها.
نظامُ الحكمِ وَالإدارةِ فِي الدولةِ السعوديةِ الثانيةِ
نظام الحكم والإدارة في الدولة السعودية الثانية
تشمل أنظمة الدولة في مجال الحكم والإدارة: النظام السياسي، والنظام الحربي، والنظام الإداري، والنظام القضائي، والنظام المالي. ودستور الدولة السعودية الثانية يقوم على أساس تطبيق الشريعة الإسلامية، ونصرة التوحيد، وهي في أحكامها تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومذاهب الأئمة الأربعة. يقول الشيخ محمد ابن عبد الوهاب: (الحق والصواب ما جاء به الكتاب والسنة، وما قاله وعمل به الأصحاب واختاره الأئمة الأربعة المقلدة في الأحكام، فقد انعقد على صحة ما قالوه الإجماع)؛ وبناء عليه، ركزت الدولة السعودية الثانية على المسائل الدينية في المقام الأول، ونتيجة لتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، فقد قلت السرقات والأعمال المخالفة للشرع الإسلامي، كما قلت في المجتمع العادات الاجتماعية الذميمة المخالفة للشريعة الإسلامية وكثرت التقاليد والعادات العربية الأصيلة التي أقرها الإسلام وحافظ عليها.
الإمام
يشتمل النظام السياسي في الدولة السعودية الثانية على المناصب التالية: الإمام: وهو الرئيس الأعلى للدولة، وصاحب السلطات الفعلية والرئيسية فيها، ويدعم مركز الإمام ويقويه استناده في حكمه على تطبيق أحكام الشرع الإسلامي؛ فالإمام هو الرئيس السياسي للنظام كله، وهو القائد العام للقوات السعودية، وهو صاحب السلطة في إبرام المعاهدات وإعلان الحرب، وعنده تحل جميع المسائل المعقدة والخلافات الكبيرة التي كانت تحدث بين العائلات، أو تلك التي كانت تحدث بين القبائل وغير ذلك من المسائل الاجتماعية الصعبة، وهو المسئول الأول عن شؤون بيت المال، وموارده ومصارفه، وللإمام ديوان في قصر الحكم يجتمع فيه مع مستشاريه وقضاته وأمراء البلدان وشيوخ القبائل، ومركز إقامة الإمام هو قصر الحكم في الرياض.
ولي العهد
سارت الدولة السعودية الثانية في اختيار ولي العهد على النظام الوراثي الأسري للابن الأكبر من أبناء الإمام الحاكم، ويتحمل ولي العهد أعباء كبيرة من مهمات الدولة وواجباتها الوظيفية، خاصة في غياب الإمام في حالات الغزو أو الإجازات أو الزيارات أو المرض وغيرها، وأحيانا كان يعين ولي العهد أميرا على إقليم أو منطقة من مناطق الدولة من أجل تدريبه على الأمور الإدارية والسياسية، ولكي يظل على احتكاك بالناس ليتعرف على أحوالهم واحتياجاتهم، وبالتالي يكون قد اكتسب خبرة جيدة في مجال الإدارة العامة تفيده عند تسلمه مقاليد الحكم في البلاد، وكثيرا ما كان يتسلم ولي العهد أمر قيادة القوات بدلا من والده؛ وذلك من أجل تدريبه على فنون الحرب وأعمال الفروسية؛ لأنه في المستقبل سيكون قائدا عاما للغزو عندما يصبح إماما خلفا للإمام السابق، ومهما يكن الأمر، فقد كانت بيد ولي العهد سلطات وصلاحيات محدودة قدر الإمكان؛ لأن كل السلطات الفعلية بيد الإمام نفسه.
أمراء الأقاليم
كانت الدولة السعودية الثانية مقسمة إلى عدة مناطق أو أقاليم، عين على كل إقليم أمير، وقد راعى الإمام عدة اعتبارات عند تعيين الأمراء، كأن يكون الأمير من بين الرؤساء المحليين، ومن بين الموالين للدولة والمؤيدين لنظامها، أو من بين الموظفين الإداريين الذين اشتغلوا بالوظائف الإدارية في الدولة، وغيرها من الاعتبارات الأخرى.
ومهما يكن للأمير من نفوذ في منطقته، فإن هذا لا يحول بينه وبين العزل أو النقل أو التأديب في حالات العصيان أو التمرد أو الاختلاس أو سوء الإدارة.
ويأتي مركز الأمير في الدرجة الأولى بعد مركز ولي العهد، خاصة في إمارته أو إقليمه، فهو المشرف على كل الإدارة والشؤون المالية في الإقليم أو المنطقة التي يرأس إمارتها، وهو المسئول الأول عن جمع قوات الغزو عند إعلان النفير العام بأمر من الإمام نفسه، فالأمير هو الممثل الأول للإمام في الإقليم.
وتظل سلطة الإمام قوية على أمرائه، فكثيرا ما كان يجمع أمراء النواحي والمناطق والأقاليم ويخاطبهم بمنتهى القسوة والتهديد في حال وقوع الخلل أو المخالفات الكبيرة.
مهام الأمير
يمكن توضيح مهمات الأمير في النقاط التالية: هو المسئول الأول في الإقليم ونائب عن الإمام فيه. عليه أن يجهز الغزو، وغالبا يكون هو قائد جيش إمارته. عليه جمع الزكاة والأعشار والجهادية من الأهالي في الإقليم.
عليه أن يرسل خمس الغنائم إلى السلطة المركزية في الرياض في حال انتصار قواته على الجماعات المتمردة على السلطة أو في حال الغزو الخارجي.
هو المسئول الأول عن توزيع عطايا السلطان وهباته.
مبدأ الشورى
طبقت الدولة السعودية الثانية مبدأ الشورى في نظام حكمها في مختلف مراحله، وتنقسم الشورى إلى قسمين: شورى خاصة، وشورى عامة. أما الشورى الخاصة فهي تضم عددا من الأمراء والقضاة والفقهاء والقادة وبعض أفراد الأسرة السعودية وبعض شيوخ القبائل، وتجتمع هذه النخبة من أصحاب الرأي والمشورة في الرياض (عاصمة الدولة السعودية الثانية) وعندما يأمر الإمام باجتماعها، وينعقد اجتماع أعضاء الشورى في الحالات الهامة كحالات إعلان الحرب، وتعيين ولي العهد وغيرهما من الأمور الهامة التي تتطلب التشاور والمحاورة وأخذ عدد من الآراء في موضوع معين. وقد غدت الشورى في الدولة السعودية الثانية نظاما واضحا في عهد الإمام فيصل ابن تركي؛ فمنذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها الحكم عقد اجتماعا حضره مجلس شوراه الذي كان يتكون من عبد الله بن رشيد، وعبد العزيز بن محمد آل عليان أمير بريدة، وتركي الهزاني أمير الحريق، وحمد بن يحيى بن غيهب أمير الوشم وغيرهم من الأعوان والفقهاء وشيوخ القبائل؛ وذلك لمناقشة شؤون الأقاليم وأحوال سكانها واحتياجاتهم.
ولقد اجتمع مجلس الشورى أيضا للتباحث والتشاور في وضع الخطط اللازمة لمقاومة حملة القائد إسماعيل بك وخالد بن سعود اللذين أرسلهما محمد علي باشا للقبض على فيصل بن تركي، وإنهاء سيادة الدولة السعودية الثانية.
الشورى العامة
هي أعم وأوسع من مفهوم الشورى الخاصة، وهي تعقد على شكل اجتماعات رسمية عامة، وفي مناسبات معينة إما من أجل دراسة بعض المشكلات المتعلقة بالأقاليم، أو في حال حدوث فتور وحالات تمرد قامت به جماعات معينة أو قبيلة معينة أو إقليم معين من بين أقاليم الدولة.
ورغم أن مثل هذه الاجتماعات القليلة عامة، إلا أنه كان يحضرها القضاة والفقهاء والشيوخ والرؤساء المحليون وأصحاب الفكر والقادة وغيرهم إلى جانب عدد من الأهالي الذين يدعون لحضور مثل هذه الاجتماعات في مؤتمرات رسمية عامة، وخير ما يمثل هذا النمط من الشورى العامة اجتماع «وثيلان» الذي عقد في الدهناء قرب عين ماء تسمى: وثيلان، حيث اجتمع فيه الإمام تركي بن عبد الله بعامة المسئولين في الأقاليم.
النظام العسكري
يشمل هذا النظام إعداد القوات وأنواعها وطرق الحرب والوسائل والمعدات التي يحارب بها الجندي، والواقع أنه ليس في الدولة السعودية الثانية تنظيم عسكري بالمعنى الحديث، وإنما كانت الدولة السعودية الثانية تعتمد على نظام النفير العام، وهو يعني التعبئة الحربية العامة في البلاد بقسميها الحضري والبدوي.
وكان إعداد النفير العام يتم على الشكل التالي: يصدر الإمام بوصفه القائد العام للغزو أوامره إلى أمراء المناطق، وأهمها: جبل شمر، والقصيم، والدواسر، والأفلاج، والخرج، وسدير، والوشم، والعارض، والأحساء، بتجهيز قواتهم والحضور إلى مكان يكون قد عينه الإمام سرا.
كان الأمير في الإقليم يمثل الإمام؛ لذا عليه أن يجهز قواته المطلوبة بالسلاح والعتاد والطعام الذي يكفي تلك القوات على الأقل بضعة أيام.
يجتمع الإمام بأمراء القوات كلها وبمساعديهم وقادة قواتهم وعندها يقرر الإمام الجهة المراد غزوها.
تظل القوات في حال النفير العام حتى تصدر أوامر من الإمام بانصراف القوات إلى ديارها. كانت معدات تلك القوات بسيطة، ولا تجديد فيها، فهي السيف والرمح والبندقية وبعض المدافع القديمة، وتتكون القوات السعودية من مشاة وفرسان وهجانة، أما بالنسبة للبحرية، فهي لا تتعدى عملية نقل بعض الجند بالسفن إلى البر.
أما عن خطط القوات الحربية فهي تعتمد على المباغتة أو الهجوم المكشوف أو الكمين أو أسلوب الكر والفر أو أسلوب الزحف، وكانت القوات وقت الحرب تقسم إلى قلب وميمنة وميسرة ومقدمة، وهو نظام مألوف في القتال، ولم يكن للجنود المقاتلين رواتب محددة، بل كانت توزع عليهم الغنائم بعد طرح خمسها، وكانت الدولة السعودية الثانية تجمع قوات تقدر بحوالي مائة ألف جندي.
النظام الإداري
يشتمل هذا النظام على التوزيعات الإدارية في الدولة السعودية الثانية، كالمناصب الإدارية في الدولة، والترتيبات الإدارية في الأقاليم التابعة للدولة، وهذه لائحة بأسماء الأقاليم التي كانت تتألف منها الدولة السعودية الثانية في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية، وهي: العارض، والخرج، والحريق، والأفلاج، والسليل، والوشم، وسدير، والقصيم، والهفوف، والقطيف، والبريمي، وجبل شمر، والجوف، وخيبر، وتيماء.
وظلت هذه التقسيمات الإدارية بالنسبة للمناطق طيلة عهد الإمام فيصل بن تركي، ومطلع حكم ابنه الإمام عبد الله بن فيصل، وبعد ذلك انفرطت وحدة الدولة؛ بسبب الفتنة الأهلية وتجزأت إلى قسمين، الشرقي وقد احتله العثمانيون، والآخر سيطر عليه آل رشيد. وبعد ما احتل العثمانيون منطقة الأحساء وقطر قسموها إداريا إلى ثلاثة أقضية هي: الهفوف، والقطيف، وقطر.
أما بالنسبة لآل رشيد، فقد ظل الوضع الإداري القديم قائما، باستثناء بعض الإجراءات الإدارية المؤقتة.
الوظائف الإدارية: وصل عدد الوظائف الإدارية في الدولة السعودية الثانية إلى ألف وظيفة إدارية في نجد، وإلى خمسمائة وظيفة إدارية في الهفوف، وخمسمائة وظيفة إدارية في القطيف، وخمسمائة وظيفة إدارية في البريمي، وربما يعود ذلك إلى بداية انفراط عقد الدولة السعودية الثانية بسبب الفتنة.
وقد عينت الدولة السعودية حكاما (أمراء) على المناطق وأعطتهم صلاحيات الأمير حاكم الإقليم.
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تشبه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ديوان الحسبة في دولة صدر الإسلام، على الرغم من وجود بعض الاختلافات بينهما، وورد ذكر الهيئة في رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إذ يقول: «والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على من قدر عليه من جميع الرعية وهو في حق الإمام أعظم، فلا يجوز للإمام ترك الإنكار على أحد من المسلمين، بل يجب عليه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على القريب والبعيد».
يدل ذلك على أن تشكيل الهيئة في نظر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أمر ضروري.
واتضح أمر الهيئة في عهد الإمام فيصل بن تركي الذي ركز في خطابه الذي عممه على الأهالي في فترة حكمه الأولى على وجوب تشكيل الهيئة، وعلى أمراء المناطق كلهم دعمها ومعاضدتها؛ لأنها هي أيضا دعم لهم.
وتكونت الهيئة من جديد في فترة حكم الإمام فيصل الثانية بعد عودته من مصر وتسلمه لمقاليد الحكم في البلاد، فأمر في أول خطاب له ألقاه على الأهالي بإعادة تكوين تلك الهيئة، وما زالت الدولة السعودية تدعمها وتقويها حتى وقتنا الحاضر.
النظام القضائي
يستند النظام القضائي في الدولة السعودية الثانية على أساس أحكام الشريعة الإسلامية، فقد انتشرت المحاكم الشرعية في ربوع البلدان ووزعت الدولة القضاة على الأقاليم لحل جميع المشكلات المختلفة التي تنشب بين أفراد المجتمع، ويأتي القاضي في الدرجة الأولى من حيث الرتبة الوظيفية بعد أمير الإقليم مباشرة.
وللقضاة كلمة مسموعة لدى الحكام والناس، ومركز القاضي يكاد يكون ثابتا، فالكثير من القضاة خدموا في سلك القضاء مدة حياتهم، ولم يتعرض منصب القاضي لتغيرات طارئة وغير طارئة؛ لأن هذا المنصب منصب ديني في الدرجة الأولى، ومهمته الفصل في الخصومات والمنازعات بين الأهالي على أساس الشرع الإسلامي، ولقد اشتهر عدد من القضاة في عهد الدولة السعودية الثانية، منهم: الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ، والشيخ علي بن حسن آل الشيخ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين، والشيخ عبد الرحمن بن حمد الثميري، والشيخ عبد العزيز بن عثمان بن عبد الجبار، والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، والشيخ عبد الله الوهيبـي، والشيخ جمعان بن ناصر، والشيخ عبد اللطيف بن الشيخ مبارك آل مبارك، والشيخ أحمد بن مشرف، والشيخ ناصر بن علي العريني، والشيخ محمد بن مقرن، والشيخ محمود الفارسي وغيرهم من قضاة الدولة.
النظام المالي
كان للدولة السعودية الثانية بيت مال خاص بها، وأهم وارداته: الزكاة بكل أنواعها، وقد كانت زكاة أقاليم الدولة ومناطقها تبلغ حوالي 265.000 ريال سنويا وكانت زكاة القبائل تصل إلى حوالي 115.000 ريال سنويا، بالإضافة إلى الزكاة التي كانت تؤخذ من «مسقط» فقد بلغت حوالي 6000 ريال سنويا، ومن البحرين حوالي 4000 ريال سنويا، ومن شيوخ ساحل عمان حوالي 1200 ريال سنويا، ومن صحار في القسم العماني غير مسقط حوالي 8000 ريال سنويا.
فبلغ مجموع واردات الدولة السعودية الثانية من الزكاة أكثر من 400.000 ريال سنويا.
وهناك واردات أخرى كالجمارك التي تؤخذ على البضائع التجارية القادمة من خارج البلاد.
وهناك مورد خاص هو الغنائم أو مكاسب المعركة من أسلاب الحرب عند اندحار العدو أو في حال انكساره، وحصة بيت المال منها الخمس، وأما الباقي فيوزع على المحاربين كل حسب كفاءته ورتبته ومقدرته القتالية، وهناك مورد آخر وهو ضريبة الجهادية التي كانت تؤخذ من السكان كبدل عسكري، تصرف على القوات الغازية.
مجالات الصرف
تقوم مجالات الصرف في الدولة السعودية الثانية على دفع رواتب الإداريين والقضاة وغيرهم، وهناك مصروفات على شكل منح وهدايا تعطى لشيوخ القبائل والعلماء وغيرهم، وهناك مصروفات مخصصة للفقراء و المحتاجين وأبناء السبيل ودور الشئون الاجتماعية كدور الأيتام والمعاقين، وهناك مصروفات عامة تخص المجالات العمرانية وغيرها من المشروعات العامة القليلة نسبيا وقتذاك.
النظام الاقتصادي الداخلي
يشتمل الاقتصاد على جميع المرافق الزراعية والتجارية والحرفية في البلاد.
الزراعة: تكثر في الواحات والمناطق الزراعية، وهي كثيرة ومنتشرة في ربوع البلاد، وكانت نسبة السكان الذين يعملون في الزراعة عالية جدا.
التجارة: وهي تأتي في الدرجة الثانية بعد الزراعة، وهي نوعان: تجارة داخلية وتجارة خارجية، وتتمثل جميعها في عمليات البيع والشراء والتبادل التجاري، وقد توفرت في أسواق البلاد المواد الغذائية والملابس والبضائع الأخرى من كماليات كأنواع الصياغة الذهبية والفضية وغيرها، وكان تجار البلاد يجوبون بلادا خارجية لاستيراد السلع التجارية التي يحتاجها الناس، فكانوا يستوردون السكر والبن والقرنفل والفلفل والكركم وكل البضائع التي يطلبها السكان، وكانت البضائع الخارجية تأتي إلى القطيف أو البحرين أو العقير أو عن طريق الحجاز واليمن، ثم تنقل بواسطة القوافل التجارية إلى المناطق الداخلية من بلاد الدولة السعودية الثانية.
العَلاقاتُ الخارجيّةُ للدولةِ السعوديةِ الثانيةِ
علاقة الدولة السعودية الثانية بإنجلترا
ظلت علاقة الدولة السعودية الثانية بالقوى المحلية السياسية المجاورة لها، خاصة في مناطق الخليج، تتشابه إلى حد كبير مع علاقة الدولة السعودية الأولى بتلك القوى، إلا أن علاقة الدولة السعودية الثانية كانت أكثر وضوحا مع الدول الكبرى، خاصة بريطانيا، فقد زار اللفتنانت كولونيل لويس بيلي البريطاني الرياض عاصمة الدولة السعودية الثانية في ربيع عام 1282هـ، 1865م.
ومعروف جدا أن رحلة بيلي الموظف البريطاني الرسمي في الخليج كانت تهدف في المقام الأول إلى خدمة بريطانيا وخدمة أغراضها ومصالحها في منطقة الخليج، حيث إن بريطانيا كانت تأتي في صدارة الدول الاستعمارية في هذه المنطقة، وظلت بريطانيا تتخوف كثيرا من نمو القوة الفرنسية في الخليج ومناطق الشرق الأخرى.
المشكلات السياسية
شعرت بريطانيا أنها تجاور دولة وطنية محلية قوية، هي الدولة السعودية الثانية، خاصة في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية التي استمرت قرابة اثنين وعشرين عاما؛ ولذا رأت بريطانيا عن طريق معتمدها البريطاني في الخليج ضرورة إيجاد نوع من العلاقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية التي تمتد حدودها إلى الخليج، ولها يد طولى وقوية على شيوخ المناطق الخليجية، وكان لا بد من ظهور بعض المشكلات السياسية بين الموظفين السعوديين الرسميين في مناطق الخليج وبين بريطانيا صاحبة النفوذ الواسع في تلك المنطقة، وكانت بريطانيا ترى أن تلك المشكلات لا يمكن حلها إلا عن طريق الاتصال المباشر بالإمام فيصل بن تركي الحاكم القوي والمؤثر الفاعل على رؤساء الساحل وشيوخه.
كسب ود الدولة السعودية الثانية
وهناك نقطة جديرة بالاهتمام وهي أن بريطانيا كانت تحاول كسب ود الدولة السعودية الثانية وقتذاك وتبذل جل جهدها لإبعاد فرنسا عن الميدان بعد أن أحست بالتحركات السياسية الفرنسية في المنطقة، خاصة عندما عرفت بالزيارة التي قام بها جيفورد وليم بيلجريف إلى داخل الجزيرة العربية في عام 1280هـ، 1863م، أي قبل وفاة الإمام فيصل بن تركي بحوالي سنتين فقط، وقد تبين أن رحلته هذه كانت من إعداد الحكومة الفرنسية. وبناء عليه فإن رحلة لويس بيلي هذه كانت بمثابة فتح الباب بالنسبة للعلاقة السعودية البريطانية، فكانت بريطانيا تسعى للتعرف على نوايا الدولة السعودية الثانية تجاه عدد من القضايا من أهمها:
  1. إيجاد علاقة صداقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية.
  2. معرفة الحدود الشرقية للدولة السعودية الثانية.
  3. معرفة القبائل الخليجية التي تعدها الدولة السعودية الثانية من رعاياها.
  4. معرفة الوحدات السياسية والقبائل الساحلية التي تدفع الزكاة للدولة السعودية الثانية.
وجدير بالذكر أن بيلي أدرج في تقريره الذي قدمه إلى حكومته قائمة بأسماء القبائل التي كانت تتبع الدولة السعودية الثانية، والقبائل الأخرى التي كانت تدفع الزكاة لها في منطقة الخليج، وقد ودع بيلي المسئولين في الرياض قائلا: «إني لأرجو أن أغادر الرياض وأنا على مودة واتفاق مع الحكومة السعودية، وأن يكون هناك ما يبشر بإيجاد علاقة أكثر ودا بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية، وإني لأرجو أن تسمح لي الفرصة للقيام بخدمة ودية وغير رسمية من أجل تسوية العلاقات بين الرياض ومسقط».
ويذكر بيلي في تقريره أنه لم تجر أي مفاوضات بينه وبين الإمام فيصل بن تركي بشأن عقد أي معاهدة أو التوصل إلى تفاهم ما حول ذلك، وأن الإمام فيصل بن تركي أعرب له عند الوداع عن رغبته في أن يرجع بيلي إليه في حال وقوع حوادث سلب أو تحطيم أو إغراق للسفن البريطانية في ميناءي القطيف والعقير حتى ينزل أشد العقوبات بالمعتدين.
ويذكر بيلي أيضا أن الإمام فيصل بن تركي كان قد ذكر له أن زيارته للرياض ستفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولة السعودية الثانية وبريطانيا.
علاقة الدولة مع فرنسا
كانت علاقة الدولة السعودية الثانية مع فرنسا أضعف من العلاقة بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية، والواقع أن نابليون الثالث إمبراطور فرنسا كان مهتما كثيرا بمعرفة أخبار جزيرة العرب، بالإضافة إلى حاجته لشراء خيول من أصول عربية لجنوده الخيالة، وقد عثر نابليون الثالث على جيفورد وليم بيلجريف الرحالة الإنجليزي المشهور الذي عمل في بداية حياته ضابطا بالجيش الإنجليزي في الهند، وكان يتقن العربية، عثر عليه وهو يخطط للقيام برحلة إلى الجزيرة العربية ليطلع على حقيقة أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد رأى نابليون الثالث بثاقب بصره أن يفيد من هذا الرحالة الإنجليزي، ويحول نتائج رحلته ودراسته لحساب السياسة الفرنسية، كما جاء قبل بيلجريف بخمسين سنة، باديا إي لبلخ الذي أطلق على نفسه اسم علي بك، وهو أسباني الأصل، زار الجزيرة العربية وكان يعمل في السر جاسوسا للإمبراطور نابليون الأول عم الإمبراطور نابليون الثالث.
فشل بيلجريف
ومن هذا فإن فرنسا كانت ترغب في قيام علاقات ودية مع الدولة السعودية الثانية أقوى الدول المحلية الوطنية في الجزيرة العربية في ذلك الوقت، وكانت فرنسا قد أعدت مخططا سياسيا واسعا لمد نفوذها في مناطق الشرق من أجل ضرب النفوذ الاستعماري البريطاني في المنطقة، ولذا فقد تركزت السياسة الفرنسية على مبدأ استراتيجية الوصول إلى الهند في الشرق عن طريق ضمان البحار الداخلية والسواحل والمنافذ في الجزيرة العربية، وهذا الأمر يوضح سر التنافس والعلاقة السيئة القائمة بين بريطانيا وفرنسا، والواقع أن بيلجريف لم يحقق لفرنسا أي نوع من الاتصالات أو الاتفاقات بينها وبين الدولة السعودية الثانية، بل على العكس تماما فقد اكتشف المسئولون السعوديون في الدولة السعودية الثانية أن بيلجريف جاسوس وعميل لدولة أجنبية، فطردوه من البلاد؛ وبناء عليه فإن الاتصال البريطاني الرسمي بالدولة السعودية الثانية ظل يختلف عن الأسلوب الذي اتخذته فرنسا للاتصال بالدولة السعودية الثانية، ولم يكن هذا الأسلوب موفقا أبدا. ويشير تقرير بيلي إلى أنه استفسر من الإمام فيصل بن تركي عن علاقة الدولة السعودية الثانية بدولة فرنسا، وكان جواب الإمام «إنه من قبل بضع سنين تسلم رسالة من سفينة فرنسية تتعهد فرنسا في تلك الرسالة بتقديم المساعدة له عند الحاجة عن طريق البحر».
ويقول الإمام السعودي «إنني تلقيت رسالة أخرى مماثلة تطلب مني إرسال الرد إلى القنصل الفرنسي في دمشق، وكان ردي على الرسالتين بالشكر والامتنان، وعبرت في ردي على الحكومة الفرنسية بأنني لا أحتاج في الوقت الحاضر إلى أي مساعدة».
سقوط الدولة السعودية الثانية
وهكذا انتهت الدولة السعودية الثانية، وانتهى معها الدور السعودي الثاني الذي اتصف في مطلعه بعهد من الفوضى والاضطراب اللذين سادا الجو السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلاد نجد، وأثر ذلك إلى حد بعيد على البلاد المحيطة بنجد.
وقد صادف الدور الثاني من أدوار التاريخ السعودي بروز حركة محمد علي باشا الاستقلالية؛ مما أثر على سير الحوادث في نجد خاصة وبلاد الجزيرة العربية عامة، فقد ساهم هذا الحدث التاريخي في تأخير تكوين الدولة السعودية الثانية المستقرة.
وبعد زوال نفوذ محمد علي باشا من شبه الجزيرة العربية على أثر تطبيق معاهدة لندن في عام 1256هـ، 1840م، تهيأت الأسباب الحقيقية لتثبيت جذور الحكم السعودي، وبناء الدولة السعودية الثانية في جو من السلام والأمن والاستقرار النسبي، وقد صادف ذلك عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية، ولم يدم هذا الاستقرار والأمن والسلام طوال فترة هذا الدور، بل اعترت الدولة السعودية الثانية حالة من الفوضى والاضطراب التي عادت إلى البلاد؛ بسبب الفتنة الأهلية التي نشبت بين الإمام عبد الله بن فيصل وأخيه الأمير سعود بن فيصل، مما أدى إلى تقويض دعائم الحكم السعودي، وبالتالي سقوط الدولة السعودية الثانية ليحل مكانها حكم آل رشيد في نجد، وعلى الرغم من سقوط الدولة السعودية الثانية لأسباب داخلية عصفت بها، إلا أنها في الوقت نفسه تركت في البلاد النجدية مقومات قيام الدولة السعودية الحديثة التي هي وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.
تاريخُ الدولةِ
آل سعود فِي الكويتِ
الدولة السعودية الثالثة
بدأت في الخامس من شوال 1319هـ، 15 يناير 1902م، وبدأ مؤسسها الملك عبد العزيز في توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى والثانية.
لقد كانت نهاية الدولة السعودية الثانية مفجعة حقا؛ لأنها تآكلت تدريجيا من داخلها، فكانت قبل هذا التآكل هرما شامخا في كيانها السياسي في شبه الجزيرة العربية في عهد واحد من أعظم أئمتها وأقواهم الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية، إلا أن هذا الهرم الكبير أخذ في التآكل والتصدع نتيجة لعدة عوامل داخلية، تأتي الفتنة المحلية التي أعقبت عهد هذا الإمام في مقدمتها؛ وكانت النتيجة الحتمية سقوط تلك الدولة بعد أن تفسخت مناطقها، فاجتاح العثمانيون منطقة الأحساء، واجتاح آل رشيد كل البلاد النجدية، فأنهى آل رشيد حكم آل سعود في كل نجد، مع أن إمارة آل رشيد قد نشأت وتأسست بأمر من الإمام فيصل بن تركي ودعمه ومساعدته لصديقه الحميم عبد الله بن رشيد حين عينه أميرا على جبل شمر، ومنذ ذلك العهد والإمارة الرشيدية قائمة، تلك الإمارة التي قوضت دعائم الحكم السعودي في نجد ثم أسقطته في عهد الإمام عبد الرحمن بن فيصل آخر أئمة الدولة.
آل سعود في الكويت
رحل الإمام عبد الرحمن بن فيصل مع أسرته عن نجد واستقر به المطاف ليعيش في الكويت في عهد أميرها الشيخ محمد آل صباح الذي أوعزت إليه الدولة العثمانية بأن يمنح آل سعود حق الإقامة في الكويت، وهنا يتضح موقف الدولة العثمانية من آل سعود بعد سقوط دولتهم الثانية، فهي ترى تحديد إقامتهم وتحركاتهم خوفا من إثارة القلاقل والدسائس ضد أصدقائها آل رشيد، حتى إن الدولة العثمانية خصصت للإمام عبد الرحمن بن فيصل وأسرته راتبا شهريا قدره ستون ليرة عثمانية، قليلا ما كانت تدفع له بشكل منتظم.
تحركات سياسية
أفاد آل سعود كثيرا من إقامتهم في الكويت وقتذاك، ومنها بدأت تحركاتهم السياسية وغير السياسية لاستعادة أمجاد حكمهم الذي فقدوه، وأكدت الدولة العثمانية لآل صباح أن آل سعود قوة لا يستهان بها في حال بروز أطماع محمد بن رشيد، أو محاولته الاستقلال عن الدولة العلية، أو الاتصال بالقوى السياسية الأجنبية ذات السيادة في الخليج.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أواصر العلاقة الطيبة كانت قد توطدت بين آل سعود والشيخ مبارك الصباح، خاصة علاقة هذا الشيخ بالفتى السعودي عبد العزيز آل سعود، فقيل إن الشيخ مبارك الصباح طوق الأمير السعودي الفتى بذراعيه، وحاول أن يستغل قدرات آل سعود وأمجادهم التاريخية في ضرب عدوه وخصمه ابن رشيد، خاصة بعد أن تخلص مبارك من أخويه محمد الصباح وجراح الصباح، فقد توترت العلاقة بين مبارك الصباح وعبد العزيز بن متعب بن رشيد، خاصة وأن مبارك يساعد آل سعود الذين يقيمون في بلاده، ولقد حدث تصادم بين جماعات آل رشيد وجماعات آل صباح حتى إن غارات ابن رشيد وصلت إلى حدود العراق وتصدى لها الشيخ سعدون باشا أبو عجيمي رئيس قبائل المنتفق الذي كان يؤيد موقف الشيخ مبارك ضد آل رشيد.
ولاء المجتمع النجدي لآل سعود
فقد آل سعود سلطتهم في نجد وغيرها من مناطق شبه الجزيرة العربية في أعقاب سقوط الدولة السعودية الثانية، إلا أن مقومات قيام الدولة السعودية الثالثة ظلت موجودة، لكنها خامدة تحتاج إلى من يحركها، فظل الولاء في نجد يزداد بشكل تدريجي لآل سعود وهم في الغربة والمنفى، خاصة كلما شعروا بسوء إدارة آل رشيد وشدتهم في التعامل مع المجتمع النجدي، وظل عدد كبير من أهالي نجد يرون أن الحكم السعودي حكم نجدي محلي في المقام الأول، وأن آل سعود هم رمز للاستقلال الوطني ولا بد من دعمهم ومؤازرتهم، خاصة عندما تأكدوا من تبعية آل رشيد للدولة العثمانية وولائهم لها، وهي الدولة التي قادت ضد نجد حملات عسكرية كثيرة أساءت كثيرا إلى علاقة تلك الدولة بسكان نجد وغيرها من أقاليم شبه الجزيرة العربية الأخرى.
شخصية الملك عبد العزيز
صحب عبد العزيز والده الإمام عبد الرحمن الفيصل في خروجه من نجد وإقامته لفترة في الصحراء ثم استقراره في الكويت، فأورثته خشونة العيش تقشفا وجلدا وصبرا على المكاره، ظهر ذلك واضحا أثناء جهاده وحروبه وفي تعامله مع الناس والأحداث، كما استفاد من إقامته في الكويت ما يزيد عن عشر سنين في مستهل شبابه إطلاعا واسعا على أساليب السياسة الدولية وأهدافها، حيث كانت الكويت محط السياسة والدبلوماسية العالمية، والتنافس الدولي كان على أشده في تلك الحقبة في الخليج؛ فألمانيا تريد أن تكون الكويت آخر محطة في سكة حديد برلين ـ بغداد، وروسيا القيصرية تزاحم ألمانيا في هذا المجال وتحاول الوصول إلى المياه الدافئة، وبريطانيا صاحبة اليد الطولى في منطقة الخليج، وفرنسا تنافس بريطانيا وغيرها في المجالات الاستعمارية وخاصة الملاحة والتجارة والبحث عن المواد الخام والأسواق لبيع منتجاتها، والدولة العثمانية تنهج سياسة تقوية قبضتها على البلاد العربية وتحاول جادة تثبيت سلطاتها في مناطق الخليج.
الصفات والمؤهلات
عندما بدأ عبد العزيز جهاده لاستعادة ملك آبائه وأجداده وإقامة دولة إسلامية توحد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية، وتؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجا، وتطبق أحكام الإسلام في شؤونها كافة - عندما بدأ كانت لديه من الصفات الشخصية والخلقية والمؤهلات القيادية ما لا يتسع المجال للحديث عنه بإيجاز فضلا عن ذكرها بالتفصيل، ولكن نكتفي بالإشارة إلى أبرز هذه الصفات والمؤهلات:
تمسكه بدينه: وذلك بإيمانه بربه، وصفاء عقيدته، وأدائه لجميع الشعائر الدينية، وتطبيقه لأحكامه وخوفه ورجائه من الله. سخاؤه وكرمه: إن الحديث عن كرم عبد العزيز وسخائه مهما أفيض فيه فهو أقل كثيرا مما هو معروف عن جوده وكرمه، والأمثلة على ذلك كثيرة، ونكتفي بذكر الموقف التالي: عندما دخل عنيزة (في منطقة القصيم) في محرم عام 1322هـ، مارس 1904م كان مدعوا في منـزل أحد وجهاء عنيزة (عبد الرحمن بن محمد آل حماد العبدلي) وكان المجلس يضم مجموعة من خاصة رجاله ونخبة من أعيان البلاد، ودار الحديث حول ما من الله به على البلاد من ظهور عبد العزيز وتوحيد معظم بلاد نجد تحت قيادته، وسأله أحدهم: عما إذا كانت له في تلك اللحظة أمنية شخصية، وتوقع الحاضرون منه (وهو في هذه السن ويعيش نشوة النصر) أن يتمنى الزواج من فتاة جميلة، فكان رده أنه يتمنى أن لديه مبلغا من المال، لا ليدخره وإنما ليوزعه على رجاله ورفاقه، فما كان من العبدلي إلا أن أقرضه المال الذي تمناه، فقام عبد العزيز بتوزيعه على أصحابه ولم يبق لنفسه أو لأسرته شيئا.
شجاعته وفروسيته
شجاعة الملك عبد العزيز شجاعة المتزن المفكر لا شجاعة المتهور، شجاعة القائد العسكري الموهوب الذي يستطيع أن يملك مواهبه ويسيطر عليها، فلا يفقد أعصابه ويغامر مغامرة انتحارية يدفع فيها حياته وحياة رجاله رخيصة بلا ثمن ولا يتخلى عن خوض المعركة (إذا كان عدوه يفوقه عددا أو عدة) فيبدو خائر الأعصاب من الرجال، يائسا من النصر وإنما يقوم واثقا بربه، مدافعا عن عقيدته، ساعيا إلى تحقيق أهدافه، فلم تقف شجاعته النفسية والبدنية عند مغامرته البطولية في فتح الرياض، وما كان ليقوم بذلك وبجهاده في توحيد المملكة إن لم يكن محاربا من الدرجة الأولى.
وهناك قصص كثيرة عن شجاعته المتزنة التي تبرز عند الحاجة مثلما حدث في معركة (الدلم) 1320هـ، 1902م ومعركة (كنزان) 1333هـ، 1915م، وقد خاض أكثر من مائة معركة، وعندما توفي وجدوا في جسده ثلاثا وأربعين ندبة وأثر جرح.
دهاؤه وذكاؤه وحنكته: إن الحديث في هذا الموضوع يطول، فمن ذلك مواقفه في المؤتمرات التي تعقد بينه وبين ممثلي الدول الأخرى وعلى سبيل المثال تصرفه في مؤتمر الصبيحية، والعبقرية التي عالج بها الموقف، ومما يدل على حنكته وبعد نظره إدراكه منذ البداية أنه لا يخطط لمعركة واحدة تنتهي بنهايتها سيرته سلبا أو إيجابا، بل كان يخطط لحكم واسع مستمر؛ ولذا كان يتفادى الحرب (ما أمكنه) ويفضل أن يكسب الآخرين من دونها بدلا من أن يحاربهم لينتصر عليهم، ولم تكن هذه السياسة ناتجة عن رغبته في حقن دماء من ناصروه فقط، بل رغبته (أيضا) في الإبقاء على أرواح من كانوا (لظروف خاصة) مع خصومه؛ لإدراكه أنه سيكسب هؤلاء (كما كسب أنصاره الأوائل) عاجلا أو آجلا، وأن كلا من هؤلاء وأولئك سيصبحون شعبه المرتقب، إضافة إلى اصطناعه الرجال الذين لم يكونوا في يوم من الأيام على وفاق معه.
رصيده من الخبرة والمجد
لقد كانت له كياسة في تعامله مع الناس، ودهاء وحكمة في مواجهة المواقف والأحداث، ونتيجة استقراره في الكويت التي كانت مسرحا للتنافس الدولي مما جعلها مدرسة من مدارس السياسة العالمية، فقد درس فيها عبد العزيز الأساليب الدبلوماسية وأفاد منها كما أفاد من دهاء الشيخ مبارك الصباح ودرايته في مجال السياسة في الخليج وفي العالم.
كما استطاع بخبرته أن يعيد صياغة الواقع الذي تعامل معه دون إهدار لأصوله ومكوناته، وأن يطور عناصره القادرة على العطاء والاستجابة لتواكب طموحاته، وتلبي متطلبات الحياة الجديدة.
أما رصيده من المجد والفخار فإنه عندما بدأ خطواته الأولى لتوحيد البلاد كان نصب عينيه حكم ضربت جذوره في أعماق التاريخ، وإرث من المجد تمثل فيما حققه أسلافه من آل سعود من وحدة لهذه البلاد في ظل دولة تؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهجا للحكم، وتنشر العقيدة الإسلامية الصافية وتدافع عنها، لكن هذا الإنجاز ضاع في خضم التنافس والضعف والتفريط؛ لذا كان من أهم أهدافه الأساسية استعادة هذه الأمجاد والمحافظة عليها؛ ومن ثم فقد أفنى (رحمه الله) زهرة شبابه وسني كهولته وأعوام رجولته في الكفاح حتى استطاع أن يعيد هذه الأمجاد ويعمقها ويضيف إليها، فبنى دولة موحدة قوية على أسس من العقيدة والشريعة توافرت لها كل مقومات الدولة العصرية، وتحقق لها من الرخاء والأمن والاستقرار ما أصبح تضرب به الأمثال في العالم.
موقعةُ الصريفِ
موقعة الصريف
لم يقف الأمير عبد العزيز بن متعب آل رشيد موقفا ضعيفا تجاه مناورات الشيخ مبارك الصباح، بل ظل يعد شيوخ الكويت قوة محلية معادية له، حتى إن العثمانيين أنفسهم ظلوا يتشككون في ولاء آل الصباح تجاههم، وشعروا أنهم أقرب إلى بريطانيا منهم، خاصة وأن بريطانيا تمثل القوة الأكثر تأثيرا عن غيرها في منطقة الخليج، وكان الشيخ مبارك الصباح يقدر هذا الأمر، ويفهمه حق الفهم، فاعتبر الحماية البريطانية لمشيخته خير وسيلة للمحافظة على حكمه وحمايته من تدخل القوى المحلية المجاورة لإمارته، التي لها أطماع فيها، وهو في الوقت نفسه يقدر ضعف التأثير العثماني وقتذاك على السياسة الدولية.
تجاوزات ابن رشيد ضد الكويت
كثرت تجاوزات ابن رشيد ضد الكويت التي ترعى شؤون آل سعود وتدعمهم ضده، إلى حد أنه طمع في احتلال الكويت وإنهاء حكم آل الصباح فيها، وكان عبد العزيز آل رشيد شخصية قيادية، ويعتز بقوته ونفوذه، وهو أمر من بين الأمور التي أدت بالشيخ مبارك الصباح إلى طلب الحماية البريطانية، فوافقت بريطانيا على ذلك ووقعت معه معاهدة الحماية في رمضان 1316هـ، الموافق 23 يناير 1899م.
التحرك نحو نجد
ازدادت الأوضاع سوءا بين الشيخ مبارك وآل سعود وبين ابن رشيد، فسار الشيخ مبارك الصباح ومعه الإمام عبد الرحمن بن فيصل وابنه الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود لمحاربة ابن رشيد في نجد في عقر داره، وقد أيد الإمام عبد الرحمن هذه التدخلات في شئون نجد علها تكون فرصة مواتية لإعادة ملك آل سعود هناك، خاصة وأنه ظهرت في بلدان نجد قوة نجدية تعمل بكل طاقاتها وقدراتها على زعزعة نفوذ آل رشيد في نجد، هذه الفئة المتوارية والمؤيدة لآل سعود هي التي كانت ترسل الأخبار عن أوضاع نجد أولا بأول إلى الإمام عبد الرحمن بن فيصل في الكويت، وهذه الفئة نفسها كانت قد أدت دورها السري، وكان لها دور غير منظور في عملية استرداد الرياض في عام 1319هـ، 1902م.
هزيمة آل الصباح في الصريف
حقق آل الصباح وآل سعود نجاحات محدودة في حملتهم المشتركة ضد ابن رشيد، فقطعوا بجيشهم الدهناء وتقدموا في الأراضي النجدية ودخلوا بعض القرى والبلدان دون قتال؛ لأن الناس فيها كانوا قد عرفوا الصلة الكبيرة بين آل صباح وآل سعود، وأن هذه التحركات لا تعتبر إلا محاولة من محاولات إضعاف نفوذ آل رشيد، وبالتالي محاولة من محاولات عودة السلطة والسيادة السعودية على نجد.
أما عبد العزيز بن رشيد فظل يظهر غير ما يبطن، فتظاهر بالتقهقر مستدرجا القوات الكويتية، وأخيرا باغتها بهجوم قوي تمكن فيه من إلحاق هزيمة كبيرة بالشيخ مبارك الصباح في موضع يعرف بالصريف قرب بريدة إلى الشمال منها في عام 1318هـ، الموافق 1901م.
وتعد هذه الهزيمة وما لحق بها من خسائر كبيرة بالنسبة للجانب الكويتي، من بين الأسباب التي جعلت الشيخ مبارك الصباح يعدل عن التفكير في الهجوم على نجد مرة أخرى؛ إذ تسربت الأخبار من الكويت عن نية الشيخ مبارك الصباح في الانتقام من ابن رشيد مهما كلفه الثمن، لكن الشيخ مباركا عدل عن تحدياته هذه بسبب كبر حجم الخسائر التي منيت بها قواته في وقعة الصريف، وبسبب الضغط الذي مارسته بريطانيا على صديقها الشيخ مبارك في وقف تحرشاته ضد آل رشيد، وفي تفاهمها مع الدولة العثمانية حول كبح جماح صديقها وتابعها ابن رشيد وتعدياته على الكويت ومناطق المنتفق.
أسباب الهزيمة
عللت المصادر التاريخية سبب انهزام قوات آل صباح في الصريف بالعوامل التالية:
  1. زهو الشيخ مبارك وغروره بنفسه وقوته.
  2. لم يقدر الشيخ مبارك حجم قوة عدوه ابن رشيد.
  3. كانت معظم قوات الكويت من المحاربين غير المدربين.
  4. لم يكن جيش آل الصباح كله مجندا في الوقعة، بل كان جزء منه قد توجه صوب الرياض، وتركز الجزء الأكبر منه باتجاه القصيم بقيادة مبارك الصباح.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود كان قد استأذن من الشيخ مبارك ووالده عبد الرحمن بالتوجه صوب الرياض ومحاولة الاستيلاء عليها، فأذن له الشيخ مبارك ووالده عبد الرحمن، فتوجه إلى الرياض مع بعض القوات، واتجه بها إلى الرياض فدخلها بغتة، فلجأت حاميتها إلى الحصن وتحرزت به، فحاصرها عبد العزيز قرابة أربعة أشهر، وقرر إرغامها على التسليم بهدم جانب من الحصن، ولكن هزيمة الشيخ مبارك ومن معه في الصريف جعلت عبد العزيز ينسحب ويخلي الرياض ويعود إلى الكويت، وقد أفادته هذه المحاولة خبرة جديدة، وزادت معرفته بالرياض وأهلها، وعرف مدى استجابتهم لعودة حكم آل سعود، وكرههم لسيطرة آل رشيد فأحيت في نفسه الآمال وقوت رجاءه بربه في إمكان استعادة ملك آل سعود.
تأسيسُ الدولةِ السعوديةِ الثالثةِ
محاولة استرداد الرياض
خرج الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود على رأس حملة صغيرة من ستين رجلا من أقاربه والمؤيدين لمشروعه الكبير الرامي إلى إعادة ملك آل سعود ليس في نجد فقط، وإنما في كل البلاد التي كانت قبل ذلك تشكل جزءا من أجزاء الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. اتجه الأمير عبد العزيز آل سعود ومن معه صوب الرياض، وأقام الأمير وقوته الصغيرة فترة قصيرة في واحة «يبرين» وهي واحة على أطراف الربع الخالي في رجب عام 1319هـ، الموافق أكتوبر 1901م.
وكان الأمير عبد العزيز آل سعود قد وضع خطة عسكرية لدخول الرياض واستردادها من قوات ابن رشيد، فقد وضع نصب عينيه ألا تحدث مواجهة مع قوات ابن رشيد التي تفوق قواته عددا وعتادا وتدريبا.
وقرر أن يكون تزود قواته من البلدان والقرى التي يمر بها أو يصل بالقرب منها؛ لأن قواته قليلة العدد من جهة، وليس لديها وسائل نقل من الإبل كافية لحمل الزاد الكثير والمعدات والعتاد، ولو فعل ذلك لربما انكشف أمره لابن رشيد، واعتمدت خطة عبد العزيز على أسلوب المباغتة في الحرب وعلى عنصر السرعة في الأداء، بالإضافة إلى التحرك في الليل والنوم والاختفاء وقت النهار حتى لا ينكشف أمره فتضيع الفرصة الذهبية منه.
خطة الهجوم
بعدما وصل عبد العزيز قرب الرياض وضع خطة للهجوم، فقسم قواته إلى ثلاثة أقسام، هم: قوة احتياطية من عشرين رجلا تكون على مسافة قريبة من مركز الرياض أو الحصن أو القلعة التي تقيم فيها حامية ابن رشيد بقيادة عجلان عامل الأمير عبد العزيز بن متعب آل رشيد، وجماعة أخرى من قواته تكون تحت قيادة أخيه محمد بن عبد الرحمن آل سعود وقد اختفت في إحدى مزارع النخيل القريبة من الحصن، وهي نخيل الشمسية، وأما الجماعة الثالثة فتكون تحت قيادة الأمير عبد العزيز آل سعود نفسه، وهي رأس الحربة بالنسبة للقوات السعودية، واستطاعت هذه القوة الصغيرة أن تتسلق السور في الظلام، وأن تنصب «كمينا» على مقربة من باب الحصن منتظرين عجلان الذي صادف أنه كان قد نام في الحصن بالمصمك عند الحامية، وفي الصباح خرج عجلان من الحصن وفوجئ بهجوم مباغت من عبد العزيز آل سعود، وحاول الهرب داخل قصر المصمك فرماه الأمير عبد الله بن جلوي آل سعود بضربة قاتلة؛ واستسلمت الحامية بعد مقتل أميرها عجلان، ونادى المنادي بأن الملك لله ثم لعبد العزيز آل سعود، وبايع أهل الرياض الأمير عبد العزيز آل سعود بالحكم، وقد تم ذلك في يوم 5 شوال عام 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م.
بداية تأسيس الدولة السعودية الثالثة
ويعد نجاح هذه المحاولة بداية حقيقية لتأسيس الدولة السعودية الثالثة (الحديثة)، ومنها تبدأ عملية توحيد البلاد في إطار دولة سعودية حديثة تعيد المناطق والأقاليم التي كانت تابعة للدولة السعودية الأولى والثانية.
لقد كانت هذه المحاولة محاولة جادة وصعبة جدا، وهي مغامرة يحسب لها كل حساب؛ لأن نجاحها غير مضمون ولا متوقع؛ ولذا وصفها الكاتب «كنث وليمز» بأنها طريقة تدل على براعة فائقة وحذق مدهش، ويصفها فؤاد حمزة بأنها من أروع قصص البطولة وأعظمها شأنا وأجلها قدرا.
ويصفها حافظ وهبة بأنها قصة تشبه قصص أبطال اليونان، وترينا عظم الأخطار التي أحاطت بابن سعود.
توحيدُ البلادِ النجديَّةِ
الاهتمام بالجنوب
بدأ عبد العزيز آل سعود يوجه اهتمامه إلى مناطق جنوب الرياض، خاصة وأن هذه المناطق كانت تكن ولاء لآل سعود، وهي تلك المناطق التي ظلت تشكل ملاذا آمنا لآل سعود وآل الشيخ يوم أن كانت تداهمهم الحملات العثمانية المصرية الموجهة ضدهم.
وهم أيضا الذين قاتلوا إسماعيل بيك وخالد بن سعود بالفؤوس عندما قررا تأديبهم والانتقام منهم؛ لأنهم يقومون بإيواء آل سعود وآل الشيخ وأتباعهم.
الجنوب تحت حكم الرياض
قرر الأمير عبد العزيز آل سعود تأمين خطوطه الدفاعية لينطلق بعد ذلك للهجوم على عدوه ابن رشيد، فأراد توحيد مناطق الجنوب مع المركز الرياض؛ ليضمن قيام جبهة قوية تدعم موقفه وتقويه ضد آل رشيد الذين ما زالوا يسيطرون على معظم مناطق نجد، وقد التقى عبد العزيز آل سعود بقوات عبد العزيز بن متعب آل رشيد في بلدة «الدلم» قرب بلدة الخرج، وكان النصر فيها حليف عبد العزيز آل سعود وقواته، وسهل هذا النصر الطريق أمام عودة جميع البلدان والقرى الواقعة إلى الجنوب من الرياض إلى الدولة السعودية الثالثة، وبالفعل فقد دانت له تلك المناطق بولائها وتأييدها لمشروعه التوحيدي الذي سيقضي على الفوضى والاضطراب الذي ساد البلاد أثناء غياب الدولة السعودية، وهكذا توسعت رقعة الدولة السعودية الثالثة، وازداد عدد أتباعها، وازدادت مع هذا كله اقتصاديات الدولة الناشئة، فقوي بذلك كيانها وسيادتها.
التوجه نحو الشمال
ثم وجه عبد العزيز آل سعود جهوده التوحيدية صوب مناطق شمالي الرياض كي يدعم كيان دولته، ويبعد قوة ابن رشيد وتأثيره عن المناطق التي وحدها إلى الدولة السعودية الثالثة، فدخل بلدة «شقراء» أكبر بلدان الوشم ثم «ثرمداء» ويكون بذلك قد وحد إقليم «الوشم» مع مناطق دولته بعد مناوشات مع قوات ابن رشيد لم تصل إلى حد المعارك والوقعات الفاصلة أو الحاسمة، وهو ما سنراه في المعارك التي دارت رحاها بين عبد العزيز آل سعود وابن رشيد.
الملك عبد العزيز يواصل جهاده
استمر عبد العزيز آل سعود في زحفه باتجاه منطقة «سدير»، واستطاع إعادة معظم بلدان المنطقة وقراها إلى الدولة السعودية، عدا «المجمعة» (قاعدة الإقليم) فقد امتنعت عليه بعض الوقت، حيث كانت مقر حاكم المنطقة من قبل آل رشيد ثم انضوت تحت لوائه، وهكذا نلحظ أن الدولة السعودية الثالثة أخذت تتوسع تدريجيا في المناطق النجدية الواقعة شمالي الرياض، أو في المناطق المعروفة بوسط نجد، وأصبحت الدولة السعودية الثالثة في حدودها الحالية تتاخم حدود منطقة القصيم التي كانت لم تزل تحت سيادة ابن رشيد؛ وبناء عليه فإن عبد العزيز آل سعود أخذ يضع الخطط العسكرية لضم منطقة القصيم إلى دولته، كي يتمكن بذلك من توسيع حدود دولته من جهة، وتوفير المقومات الاقتصادية الضرورية للدولة من جهة أخرى، وتعتبر القصيم منطقة زراعية ممتازة، وفيها مراكز تجارية مشهورة، وهي منطقة هامة أيضا؛ لأن قوافل التجارة والحجيج تمر بها، هكذا يكون عبد العزيز آل سعود قد وحد المناطق الواقعة شمال الرياض وجنوبها في مدة لا تتجاوز السنتين فقط من دخوله الرياض، عاصمة دولته، وهي مدة قصيرة فعلا ولها مدلولاتها، وهي أن ولاء تلك المناطق لآل سعود يعد ولاء كاملا ومتأصلا، وبالمقابل فإن الكثير من أهالي تلك البلدان لم يكونوا راضين عن أسلوب حكم عبد العزيز بن متعب آل رشيد، فبدأوا يتطلعون إلى الخلاص من حكمه، فوجدوا في ظهور القوة السعودية بقيادة عبد العزيز آل سعود فرصة مواتية لذلك.
ضم القصيم
أراد عبد العزيز آل سعود ضم بلدان القصيم إلى دولته؛ فقابل سرية لابن رشيد بقيادة حسين بن جراد في «نفود السر» قرب «الفيضة»، فانهزمت قوات ابن رشيد وقتل ابن جراد وكثير من أتباعه وكان ذلك في عام 1321هـ، 1904م، وتعد هذه الوقعة على الرغم من صغرها، وقعة في صالح عبد العزيز آل سعود؛ لأنها مهدت الطريق أمامه لتوحيد بلدان منطقة القصيم وضمها إلى دولته الناشئة.
الاستيلاء على عنيزة
عزم عبد العزيز آل سعود في عام 1321هـ، 1904م على إنهاء الوجود الرشيدي في منطقة القصيم، وقد أعد العدة لذلك بمساعدة الأسر التي كانت تحكم البلاد قبل استيلاء آل رشيد عليها؛ فتوجه بقواته صوب عنيزة ودخل القصر المعروف بقصر الحميدية، وهو يبعد عن عنيزة مسافة أربع ساعات سيرا على الأقدام، وبعد ذلك حاصر حامية ابن رشيد في عنيزة، وكانت تحت قيادة فهيد السبهان، وعندما رفض فهيد السبهان الاستسلام هاجمت قوات عبد العزيز آل سعود حاميته، وقتلته ودخلت قوات عبد العزيز آل سعود عنيزة في 5 محرم عام 1322هـ، الموافق 13 مارس 1904م، ثم هاجم عبد العزيز آل سعود حامية ابن رشيد في بريدة التي رفضت الاستسلام في مطلع الأمر، ولكنها سقطت في ربيع الأول عام 1322هـ، 1904م.
وقعة البكيرية
لم يقف عبد العزيز آل رشيد موقف المشاهد لما أحرزه عبد العزيز آل سعود من انتصارات في القصيم، فجهز قواته مدعوما بقوات عثمانية تركية وعتاد تركي ومعونات مالية تركية وقابل القوات السعودية في سهل البكيرية في بلدة البكيرية من بلدان القصيم، ونشبت المعركة بين الطرفين في ليلة الأول من ربيع الآخر عام 1322هـ، (ليلة 15 يونيو عام 1904م).
ولظروف فنية وتخطيطية ضاعت بعض القوات السعودية وأخطأت هدفها وخطتها العسكرية في الهجوم على القوات العثمانية التركية، ووجدت نفسها وراء خيام شمر، ودارت بينهم وبين قوات ابن رشيد اشتباكات؛ مما أربك موقف عبد العزيز آل سعود الذي انسل من الوقعة مع بعض فرسانه بعد أن أصيب بشظايا قنبلة، فانهزمت القوات السعودية وقتل منها في تلك الوقعة حوالي 1000 رجل، وقتل من الجند العثماني النظامي حوالي 1000 رجل، وقتل من الشمريين حوالي 300 رجل بينهم اثنان من آل رشيد حكام الجبل، ولكن عبد العزيز آل سعود على الرغم من تشتت شمل قواته، وضياع فريق منها، تمكن من جمع قوات سعودية قدرت بعشرة آلاف مقاتل في غضون عشرة أيام فقط، وزحف صوب قوات ابن رشيد لقتالها، وكانت تلك القوات في بلدة «الشنانة»؛ فتقدم عبد العزيز آل سعود بقواته إلى بلدة الرس، ومنها أخذ يهاجم قوات ابن رشيد على شكل متقطع لمعرفة مدى قوتها وتحصينها وإعدادها، وهو أسلوب من أساليب إضعاف العدو ما دام هذا العدو في وضع المدافع، وقد طالت تلك المناوشات دون أن يلتقي الجيشان في وقعة مباشرة كبيرة.
قرر ابن رشيد التراجع إلى المواقع الخلفية ففاجأته القوات السعودية بكل إمكاناتها، فانتصرت عليه في وقعة الشنانة في 18 رجب عام 1322هـ، الموافق 29 سبتمبر 1904م، وتعد وقعة الشنانة من المعارك الحاسمة والفاصلة بين القوات السعودية والقوات الرشيدية، إذ تمكن عبد العزيز آل سعود من تركيز سلطته في بلاد نجد، وأظهر للجميع أنه الحاكم الفعلي لنجد، خاصة بالنسبة للدولة العثمانية التركية التي فتحت باب المحادثات معه، والدولة البريطانية التي ظلت تراقب الحوادث في قلب الجزيرة العربية وهي في الوقت نفسه تعرف تاريخ الدولة السعودية ولها معها أكثر من اتصال حول مسائل كثيرة تهم المناطق الخليجية.
الدولةُ السعوديَّةُ الثالثةُ تثبّتُ أركانَهَا
الدولة السعودية الثالثة تثبت أركانها
استغل ابن رشيد فرصة غياب عبد العزيز آل سعود عن القصيم، وذهابه إلى قطر لنجدة شيخها قاسم بن ثاني ضد خصومه، فزحف بجيشه نحو بريدة يريد استرجاعها، فاستنجد أهلها بعبد العزيز آل سعود، فجاء بسرعة وفاجأ قوات ابن رشيد في روضة «مهنا» بالقرب من بلدة بريدة في 18 صفر 1324هـ، الموافق 14 أبريل عام 1906م، وانتصر عليها، وقتل في هذه الواقعة عبد العزيز بن متعب آل رشيد أمير إمارة آل رشيد، فخلفه في حكم الإمارة ابنه متعب بن عبد العزيز آل رشيد الذي عقد صلحا مع عبد العزيز آل سعود تنازل بموجبه عن جميع بلاد القصيم وسائر مناطق نجد مقابل الاعتراف له بالإمارة على جبل شمر ومركزه حائل، وبعد هذه الموقعة انسحب الجند العثماني تماما من بلاد نجد، وقد كفل عبد العزيز آل سعود للجند العثماني انسحابا مشرفا، فأرسل إليه السلطان عبد الحميد الثاني رسالة شكر على معاملته الطيبة للجند العثماني في القصيم خلال انسحابه من البلاد.
صعوبة وضع الإمارة الرشيدية
هكذا يكون نفوذ آل رشيد قد انحسر تماما، وتكون الدولة السعودية الثالثة قد امتدت حدودها لتشمل جميع منطقة القصيم التي توحدت مع باقي مناطق نجد، وانضمت إلى الدولة السعودية الحديثة، وأصبح وضع الإمارة الرشيدية وضعا صعبا ومهلهلا جدا، وأصبح بإمكان عبد العزيز آل سعود القضاء على هذه الإمارة مستغلا عوامل الضعف فيها، ومقومات القوة التي لازمت بناء الدولة السعودية الثالثة، وما المسألة الرشيدية إلا مسألة وقت فقط، خاصة بعد انتهاء الوجود الرسمي العثماني من نجد في أعقاب وقعة روضة «مهنا».
مواصلة مشروع توحيد نجد
نكث الأمير سلطان بن حمود آل رشيد بشروط الصلح التي وقع عليها متعب آل رشيد في أعقاب وقعة روضة «مهنا». وكان سلطان بن حمود قد تولى إمارة آل رشيد في جبل شمر بعد مقتل الأمير متعب بن عبد العزيز آل رشيد الذي قتله بعض أبناء عمومته، ولم يتقيد هذا بصلح متعب، وأبلغ أمير القصيم التابع لعبد العزيز آل سعود بأن الصلح الذي وقعه الأمير متعب مع عبد العزيز آل سعود أصبح لاغيا ومنقوضا، مما أوجد فرصة كبيرة لعبد العزيز آل سعود للانقضاض على ما تبقى من بلاد ما زالت تابعة للإمارة الرشيدية.
وساعدت الظروف العامة والخاصة عبد العزيز آل سعود في تحقيق مشروعه الرامي إلى ضم كل البلاد النجدية إلى دولته، فدبت خلافات بين أسرة آل رشيد، وقامت حركة من حركات التمرد والاضطراب والقتل والاغتيالات بين زعماء هذه الأسرة، وعلى الرغم من أن عبد العزيز آل سعود قد تعرض لعدد من المشكلات الداخلية التي ظهرت نتيجة لمشروعات التوحيد هذه في الفترة بين عامي 1325 و1331هـ، 1907 و1912م، وبالإضافة إلى هذه المشكلات كانت هناك الظروف الاقتصادية والجوع الذي عم بلاد نجد في عام 1327هـ، الموافق 1908م، فإن كل هذه الحوادث لم تمنع عبد العزيز آل سعود من اتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف نشاط آل رشيد وتحرشاتهم بالقصيم مستغلين الظروف الداخلية فيه.
وقعة الأشعلي
اشتبك عبد العزيز آل سعود مع قوات سلطان بن حمود وأنصاره من أهل بريدة وبادية الدويش الذين هاجموا الجيش السعودي في الطرفية ليلة 5 من شعبان 1325هـ، 14 سبتمبر 1907م وانتصر ابن سعود في هذه المعركة انتصارا ساحقا، وانهزم سلطان بن حمود الرشيد وفر إلى حائل؛ فعاب عليه أهله انهزامه فجهز جيشا زحف به من الجبل لملاقاة ابن سعود الذي زحف بجيشه لصده، فتوسط بينهما برغش بن طوالة من رؤساء شمر فجددت المعاهدة السابقة التي خرقها سلطان، وما أن عاد إلى حائل حتى قتله أخوه سعود بن عبيد، فثارت الفتنة في حائل وقتل سعود بعد سنة وشهرين، فتولى آل سبهان الحكم فيها باسم سعود بن عبد العزيز المتعب فلم يحترموا المعاهدة فأغاروا على إحدى القبائل التابعة لابن سعود، فهب لنجدتهم ودارت بينه وبين قوات آل رشيد معركة انتصر فيها ابن سعود انتصارا مبينا (كما يقول الريحاني) وكان تاريخ هذه الواقعة 5 ربيع الأول عام 1327هـ، 29 / 3 /1909م، وتسمى بوقعة الأشعلي.
تدخل العثمانيين الأتراك
ازداد اتصال آل رشيد بالعثمانيين الأتراك من أجل دعم موقفهم ضد عبد العزيز آل سعود، وأخذ العثمانيون الأتراك يمدون سعود بن رشيد بالسلاح والذخيرة، وكانت الدولة العثمانية التركية تعمل جاهدة لضرب النفوذ السعودي عن طريق آل رشيد لعدائها الشديد عبر الحقب التاريخية لآل سعود، ومحاربة للدعوة السلفية.
وقرر آل رشيد خوض مجابهة جديدة مع عبد العزيز آل سعود، والتقى الطرفان في موضع يعرف بماء جراب شرقي بلدة الزلفي وشمالي الأرطاوية، وهي أول هجرة منظمة أنشئت لتوطين البدو في نجد، وكان ذلك في 7 ربيع الأول عام 1333هـ، 24 يناير عام 1915م.
وكان للبدو في تلك الوقعة دور كبير في أحداثها ونهايتها، فانسحب العجمان وتركوا عبد العزيز آل سعود، وفروا من الوقعة من أجل خذلانه والإمعان في انكساره، وهجم بدو شمر على خيام عبد العزيز آل سعود وأمعنوا في نهبها، وهجم بدو مطير على خيام ابن رشيد ونهبوها أيضا، وما كان على عبد العزيز آل سعود وابن رشيد إلا أن يطاردا البدو ويمعنا قتلا فيهم من أجل أن يستردا منهم ما نهبوه من خيامهما، فاختل بذلك نظام الوقعة وانشغل الطرفان كل في أموره وترتيباته، وتفرقا دون أن يحرز أي منهما انتصارا على الآخر، وفاز البدو بالغنائم والأسلاب من كلا الجانبين.
الصلح والهدنة
تعد الفترة الواقعة بين موقعة جراب 1333هـ، 1915م ومقتل سعود بن عبد العزيز المتعب آل رشيد، عام 1338هـ، 1919م بيد ابن عم أبيه عبد الله بن طلال، في المغواة وهما خارجان للنزهة - تعد هذه المدة فترة صلح وهدنة بين أمير حائل والسلطان عبد العزيز آل سعود رغم محاولة الشريف حسين بن علي تحريض آل رشيد على نقض الصلح.
وفي اليوم نفسه الذي قتل فيه سعود، قتل القاتل بيد أحد عبيد سعود بن رشيد فتولى الإمارة ابن أخي سعود عبد الله بن متعب بن عبد العزيز، وحاول تجديد الصلح مع السلطان عبد العزيز فاشترط أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرفض شرطه وأعلنت الحرب، فسير السلطان عبد العزيز جيشا إلى حائل مكونا من حوالي عشرة آلاف مقاتل وعهد إلى أخيه الأمير محمد بن عبد الرحمن حصارها، ووكل إلى ابنه الأمير سعود مهاجمة شمر، ورابط هو في القصيم ليكون قريبا من موقع الأحداث، فجاءه وفد من حائل بقبول ما اشترطه في العام الماضي من أن تكون شؤون حائل الخارجية إليه، فرد عليهم السلطان عبد العزيز بعدم قبوله ذلك، وأن عليهم أن يدخلوا فيما دخل فيه أهالي نجد؛ ليريحوه ويريحوا أنفسهم من ويلات الحروب، وشروطه الآن أن يسلموا إليه شوكة الحرب وآل رشيد، وعند هذا (يكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا) وبعد أن عاد الوفد إلى حائل رفضت الشروط وشدد الحصار الذي قاده الأمير سعود مدة شهرين.
حصار «حائل»
في هذه الأثناء وصل إلى حائل محمد بن طلال بن عبد الله آل رشيد قادما من الجوف، ففر أمير حائل عبد الله بن متعب بن عبد العزيز آل رشيد من وجهه والتجأ إلى الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود ففك الحصار عن حائل وعاد بأميرها عبد الله بن متعب فتولى إمارة حائل محمد بن طلال وقاد حملة على قرى حائل التي كان أهلها موالين لابن سعود وفتك بهم وفعل بهم قريبا مما فعله ابن عمه عبد العزيز المتعب آل رشيد بأهل القصيم بعد وقعة الصريف من البطش والتنكيل؛ مما اضطر السلطان عبد العزيز إلى التحرك السريع لحسم الموقف، فأمر قواته القريبة من منطقة حائل بالتوجه فورا إلى حائل لحصارها حتى يوافيهم هناك، حيث تحرك السلطان عبد العزيز بالقوات الرئيسية في 16 / 8 / 1921م، ووصل ساحة المعارك في 8 / 9 / 1921م بالجثامية، حيث كان ابن طلال في حرب مع القوات الأولى وكادت الهزيمة تحل بها نتيجة خدعة من ابن طلال، فهاجمه الجيش الرئيسي فهزمه وانسحب إلى حصون مدينة حائل، فحاصره فيها الجيش السعودي، وكتب إليهم ابن سعود يقول: «سلموا تسلموا» فاشترطوا بقاء إمرة ابن طلال فرفض ذلك السلطان عبد العزيز، وعندما طال أمد الحصار كتب يقول: «قد طال أمد الحصار وأقبل الشتاء، فليعذرنا الأهالي إذا أنذرناهم، لهم ثلاثة أيام ليسلموا المدينة وعائلة الرشيد، وإلا فنحن إلى غرضنا مسرعون بالرصاص والنار».
وهذا أحد المواقف الإنسانية التي عرف بها الملك عبد العزيز، التي تتجلى فيها رأفته وشفقته على من سيصبحون من رعيته، وفي الوقت نفسه برهان على حزمه وعبقريته العسكرية.
التسليم ومبايعة الأهالي
لقد جاءه الجواب بأن الأهالي يتخلون عن ابن طلال وبيت الرشيد وأنهم على استعداد لتسليم الحصون المحيطة بالمدينة إذا جاءتهم قوات ابن سعود، فأرسل السلطان ألفين من رجاله ففتحت لهم الحصون المحيطة بحائل، ثم أمن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، فخرجوا إليه أفواجا يبايعونه وهم يشكرون الله.
أما ابن طلال فتحصن في قصر «برزان» فأمنه ابن سعود إذا هو سلم ففعل وهكذا عادت حائل إلى حكم آل سعود، وتوحدت نجد كلها تحت حكم السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وكان ذلك في اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر عام 1340هـ، 1 نوفمبر 1921م.
يقول أمين الريحاني: ولكن حائل كانت في حال الحرب أكثر من سنة قبل ذلك، وكانت القوافل من الكويت والعراق منقطعة عنها، فشمل أهلها الضيق، وكان السلطان عالما بشدة حالهم فجاءهم متأهبا لتخفيفها (جاء بالمؤن وجاء بالثياب والمال) فأجزل للناس العطاء.
استردادُ المنطقةِ الشرقيَّةِ
التخطيط لاسترجاع الأحساء
كان العثمانيون قد استردوا حكم الأحساء، وهي المنطقة التي تعرف اليوم بالمنطقة الشرقية، في عهد ولاية مدحت باشا على العراق في عام 1288هـ، 1871م على أثر الفتنة التي نشبت في البيت السعودي بين عبد الله بن فيصل وأخيه سعود بن فيصل في عهد الدولة السعودية الثانية.
المنطقة الشرقية
اهتم عبد العزيز آل سعود بأمر المنطقة الشرقية، وأخذ يخطط لاسترجاعها من يد العثمانيين الأتراك، فكانت المنطقة تابعة للدولتين السعوديتين: الأولى والثانية ولآل سعود جذور تاريخية فيها، وها هو عبد العزيز آل سعود يحاول أن يفك الحصار الشرقي عن دولته عن طريق إخراج العثمانيين الأتراك، حتى يكون لدولته منفذ بحري يسهم في إنعاش اقتصاد البلاد، وبوابة تطل منها الدولة السعودية الثالثة، ويجعل اتصالها بالكويت ومشيخات الخليج أقوى وأكثر سهولة، ويتيح لها أن تقوم بدور أساسي في منطقة الساحل الخليجي، وتصبح مجاورة للنفوذ البريطاني صاحب الثقل السياسي والعسكري في منطقة الخليج، كما تستطيع الدولة السعودية الثالثة من هذا المركز القضاء على حركات التمرد وقطع الطريق التي تعيث فسادا في الأجزاء الشرقية من شبه الجزيرة العربية، وخلال الفترة التي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى كانت الأحوال العامة في الأحساء تخدم أهداف عبد العزيز آل سعود وموقفه.
أسباب استعادة الأحساء
أهم العوامل التي هيأت الجو ليقوم عبد العزيز بمغامرته في استعادة الأحساء هي:
  1. أن الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة العثمانية في منطقة الأحساء، تفضيل المنافع الشخصية على المنافع العامة؛ مما جعل أسلوب الحكم العثماني يتسم بالظلم والاستبداد، ويعتمد في بقائه على القوة العسكرية.
  2. أن بريطانيا كانت تعمل على إضعاف العثمانيين خاصة أن الدولة العثمانية بدأت تميل في علاقاتها إلى دول الوسط لا سيما ألمانيا، وهو أمر يقلق بريطانيا؛ لأنه يخل بمبدأ المحافظة على التوازن الدولي.
  3. انشغال الدولة العثمانية بإخماد الثورات والتمرد اللذين اجتاحا بعض مناطق الدولة وخاصة انشغالها بحرب البلقان.
اتصالات سرية
حاول عبد العزيز آل سعود إجراء اتصالات سرية مع بريطانيا عن طريق ممثليها في كل من الكويت والبحرين؛ لضمان تأييدها لمشروعه الرامي إلى استرجاع الأحساء من العثمانيين، ومع أن بريطانيا لم توافق عبد العزيز آل سعود على التدخل في شؤون الأحساء قبيل نشوب الحرب العالمية الأولى، ولم تقدم له أي دعم ضد العثمانيين الأتراك في الأحساء، إلا أنه أخذ على عاتقه مغامرة استرداد الأحساء من العثمانيين معتمدا على قوته الذاتية، وقواته النجدية وإمكاناته المحدودة.
زحف عبد العزيز آل سعود بقواته صوب الأحساء، وأحاط تحركاته العسكرية بالسرية التامة، وعندما وصل إلى بعد كيلومترين من السور الغربي لمدينة الهفوف، وضع خطة حربية شاملة لدخول المدينة وإجلاء الحامية العثمانية التركية منها، فقسم قواته إلى ثلاثة أقسام، وصنع السلالم من جذوع النخيل والحبال ليتسلق الجند السعودي بها الأسوار ليلا، وهنا نلحظ الطرق الحربية البدائية التي كانت تسلكها القوات السعودية في حروبها وقتذاك، فالسلاح تقليدي، وأسلوب القتال تقليدي بسيط يعتمد في المقام الأول على عامل المفاجأة أكثر من اعتماده على نوع السلاح والخطط العسكرية.
وبالمقابل فإن الحامية العثمانية التركية في الأحساء كانت أيضا قليلة العدد، وأسلحتها محدودة، ولم تكن في وفاق مع أهالي المنطقة، وكان يعتريها الملل، وهي في حالة نفسية سيئة ومتدهورة، على الرغم من أن الجند العثماني كان يخضع لنظام الخدمة المحدودة في المنطقة؛ إذ كان الجند العثماني يبدل كل سنتين.
استرداد الأحساء
نجح الجند السعودي في تسلق الأسوار، ودخلوا مدينة الهفوف، وتدفقوا صوب الحصون والقلاع التي يقيم فيها الجند العثماني، ونادى المنادي: «الملك لله ثم لابن سعود، من أراد السلامة فليلزم مكانه».
وقد قاوم الجند العثماني مقاومة محدودة لكنهم شعروا بعدم جدواها، فاستسلموا ورحلهم عبد العزيز آل سعود بعد أن أمنهم على أرواحهم وأسلحتهم، وقدم لهم الركائب، وساعدهم على الجلاء مع عائلاتهم وأمتعتهم إلى ميناء «العقير» ومنه إلى البحرين، ثم إلى البصرة في العراق، وتم ذلك في عام 1331هـ، 1913م.
أرسل عبد العزيز آل سعود حامية سعودية تحت قيادة عبد الرحمن بن سويلم إلى القطيف، فدخلتها دون مقاومة تذكر من قبل حاميتها العثمانية التي استسلمت ورحل أفرادها إلى البحرين ولحقوا بالجند العثماني الذي رحل عن «الهفوف»؛ وبذلك عادت منطقة الأحساء إلى الدولة السعودية الثالثة، ويعد استرداد الأحساء من قبل عبد العزيز آل سعود وتوحيده مع أجزاء الدولة السعودية الحديثة بداية لقيام علاقات جديدة بين الدولة السعودية وبين كل من الدولة العثمانية وبريطانيا؛ لأن الدولة السعودية الحديثة أصبحت دولة محلية قوية تطل على الخليج ولها ساحل طويل عليه.
استردادُ عسير
نشر الدعوة الإصلاحية في عسير
كانت عسير في الفترة التي كان الملك عبد العزيز يواصل كفاحه لتوحيد البلاد مقسمة إلى قسمين سياسيين: الشمالي منهما تحت إمرة آل عائض وقاعدته أبها، والجنوبي تحت إمرة الأدارسة وقاعدته جازان. وأثناء قيام أئمة آل سعود في الدولة بنشر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية أقبل سكان المنطقة على اعتناقها وانضوت عسير السراة تحت لواء الدولة السعودية الأولى في عام 1215هـ، فكان ولاؤهم السياسي وتبعيتهم لآل سعود.
وعندما زحفت قوات محمد علي باشا على عسير أبلى أهلها بلاء حسنا في الدفاع عنها وحمل لواء الجهاد طامي بن شعيب، لكن قواته هزمت وأسر هو فأرسله محمد علي إلى مصر مقيدا بالحديد ومنها إلى إسطنبول حيث أعدم هناك.
وفي عهد الأمير عائض بن مرعي من آل يزيد الذين ينتسبون إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان زحفت القوات العثمانية ومعها الشريف محمد بن عون فحمل عائض لواء المقاومة وبعد عدة معارك انتصر عليهم في عام 1250- 1251هـ.
العثمانيون في عسير
وبعد ما توفي عائض في الوباء الذي اجتاح البلاد في عام 1273هـ تولى الإمارة من بعده ابنه محمد فعمل على بسط نفوذه فيما حوله من بلاد حتى وصل حدود الحجاز شمالا وبيشة شرقا، إلا أنه صادف في تلك الفترة أن العثمانيين انتهجوا سياسة تقوية قبضتهم على البلاد العربية، فأرسلوا حملة قوية بقيادة رديف باشا في عام 1288هـ، 1871م، حاصرت «أبها» فاستسلم محمد بن عائض على شرط الأمان، لكن القائد العثماني أحمد مختار باشا غدر به وقتله واحتلوا البلاد وجعلوها ولاية عثمانية، وأبعدوا آل عائض عن الحكم، إلا أنهم اضطروا إلى الاستعانة بالأمير حسن بن علي بن محمد آل عائض في عام 1330هـ، 1912م عندما حاربهم الإدريسي، ومنذ ذلك الوقت ظل الأمير حسن معاونا للمتصرف العثماني سليمان شفيق باشا.
انسحاب الأتراك وحكم حسن آل عائض
وبعد ما قامت الحرب العالمية الأولى وانسحب الأتراك من عسير استقل بها حسن آل عائض، ولكنه لم يحسن السيرة، بل ظلم الرعية واستبد، فنفرت منه القبائل وبعثوا رسلهم إلى الإمام عبد العزيز يشكون تسلط أميرهم وظلمه ويناشدونه أن يحميهم؛ فأوفد إلى «أبها» ستة من العلماء وكتابا إلى الأمير حسن، فناشدوه العمل بالكتاب والسنة والعودة إلى ما كان عليه آباؤه، فعد ذلك تدخلا من ابن سعود في شؤونه الخاصة ومساسا باستقلاله فهدد باحتلال بيشة.
الحملة الأولى
في شعبان عام 1338هـ، مايو 1920م، أرسل الإمام عبد العزيز ابن عمه عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود على رأس قوة مكونة من ألفين من المحاربين فالتقى بجند ابن عائض عند حجلة بين أبها وخميس مشيط، فهزم ابن عائض وتقدم إلى أبها وفتحها، فاستسلم ابن عائض وأسرته لابن مساعد فأرسلهم إلى الرياض، وأكرمهم ابن سعود ورغب في ردهم إلى إمارتهم على أن يكونوا تابعين له، لكنهم آثروا التخلي عن الإمارة نهائيا فرتب لهم المشاهرات والمقررات السخية، وعادوا إلى ديارهم راضين، فأقام محمد في أبها، وانتقل حسن بن عائض إلى بلدتهم حرملة.
الحملة الثانية
نقض حسن بن عائض عهده الذي أعطاه لابن سعود وحرض القبائل ضده وأمده الشريف حسين بن علي بالمال والسلاح؛ فهاجم أبها وحاصر حاميتها حتى استسلمت، فأسر أفرادها مع أمير البلد فهد العقيلي، واستمرت هذه الفتنة بضعة أشهر؛ لأن السلطان عبد العزيز كان مشغولا باستعادة منطقة حائل وتنظيم أوضاعها، فعندما انتهى من شأنها التفت إلى عسير.
جهز السلطان عبد العزيز قوة مكونة من حوالي عشرة آلاف رجل، ووكل إلى ابنه الأمير فيصل قيادتها، وفي شوال عام 1340هـ، يونيو 1922م وصل الأمير بقوته إلى بيشة، فوجد فيها قوة من خصومه فقاتلهم حتى هزمهم وشتتهم، وعندما بلغت أخبار الهزيمة ابن عائض وقدوم القوات السعودية أخلى أمامها خميس مشيط وحجلة وتحصن في أبها، فهاجمها الأمير فيصل فأخلاها آل عائض وتحصنوا في حرملة، وجاءهم مدد من الشريف حسين بقيادة الشريف عبد الله بن حمزة الفعر وحمدي بك فأرسل الأمير فيصل قوة من جيشه للسيطرة على حرملة فنجحت في مهمتها، وكان الشريف حسين قد أرسل قوة هائلة لنجدتهم، فكلف الأمير فيصل قوة من المجاهدين فهزموا الجيش الحجازي هزيمة منكرة فتقهقرت فلوله المنهزمة إلى القنفذة، وقضى بذلك على فتنة آل عائض، وتوحدت عسير مع الأقاليم الأخرى في الدولة السعودية الثالثة (المملكة العربية السعودية) وأمر فيها الأمير فيصل سعد بن عفيصان، وعندما توفي عين السلطان عبد العزيز بن سعود عبد العزيز بن إبراهيم، أميرا على منطقة عسير، وكان رجلا حازما قوي الشكيمة، معروفا بالدهاء والكرم وحسن التصرف.
استردادُ إمارةِ الأدارسةِ
أصل الأدارسة
ينتسب الأدارسة الذين شكلوا إمارة الأدارسة في منطقة جازان ونجران، أو ما يعرف في نطاق ضيق بمنطقة المخلاف السيلماني، إلى عالم فقيه من متصوفة المغرب اسمه أحمد بن إدريس من أهل فاس بالمغرب، وكان هذا العالم قد جاور المسجد الحرام بمكة نحو ثلاثين عاما.
ونزل بصبيا في عام 1246هـ 1830م، فالتف حوله مريدوه وتلقوا طريقته الأحمدية، وهي على نمط الطريقة الشاذلية وأصبح له أتباع في مكة وأتباع في صبيا، وبعد وفاته في عام 1253هـ 1837م، خلفه ابنه محمد بن أحمد الذي بدأ يؤسس إمارة صغيرة، وأيده الأهالي تكريما لوالده ودوره في ريادتهم، وتزوج محمد بن أحمد بسودانية ولدت له ابنا سمي عليا، وتزوج علي بهندية أنجبت له ولدا سمي محمدا في عام 1293هـ، 1876م، فكان محمد بن علي من أهم أفراد أسرة الأدارسة.
عصر قوة الأدارسة
حاول محمد بن علي الإدريسي أن يقوي إمارته، فاتصل بالإيطاليين ضد العثمانيين في فترة الحرب الإيطالية العثمانية في ليبيا (الحرب الطرابلسية)، وساعده الأسطول الإيطالي في البحر الأحمر، وتكمن مشكلة إمارة الأدارسة في أن كلا من الشريف حسين بن علي (شريف مكة) والإمام يحيى حميد الدين (إمام اليمن) يعدا أرض الإمارة الإدريسية جزءا من بلاده، وكي يحافظ السيد محمد بن علي الإدريسي على إمارته من الضياع اتصل بعبد العزيز آل سعود، سلطان نجد وملحقاته، وطلب منه العون والدعم خاصة وأن سلطان نجد وملحقاته على علاقة سيئة مع كل من شريف الحجاز وإمام اليمن، وهو وقتها حاكم منطقة عسير الداخلية، ويهمه أمر المنطقة الإدريسية المجاورة لحدوده.
وبالفعل دعم سلطان نجد وملحقاته مركز السيد محمد بن علي الإدريسي ضد مطالب الشريف ومطالب إمام اليمن، واستمر الإدريسي منيع الجانب حتى وفاته في عام 1341هـ، 1923م.
معاهدة الحماية
اضطربت الإمارة الإدريسية بعد وفاة السيد محمد بن علي الإدريسي، خاصة بعد أن خلفه ابنه علي بن محمد الإدريسي الذي كان ضعيفا؛ فثار عليه الأهالي وخلعوه، وبايعوا عمه الحسن بن علي الإدريسي الذي حاول قدر استطاعته أن يوازن بين القوى السياسية في المنطقة، ففاوض الإيطاليين في مصوع من أجل دعمه، وفاوض البريطانيين من أجل مساعدته أيضا، وحتى يوازن بين قوتين دوليتين لهما نفوذ قوي في المنطقة، وأرسل ابن عمه مرغني الإدريسي إلى مكة المكرمة ليفاوض الملك عبد العزيز آل سعود بعد دخوله منطقة الحجاز، ووقع مرغني الإدريسي معاهدة مع الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1345هـ، 1926م، عرفت باسم معاهدة الحماية الخاصة بالإمارة الإدريسية، وضع بمقتضاها الإمارة الإدريسية تحت حماية الدولة السعودية الثالثة، ويدير الملك عبد العزيز آل سعود بموجبها الشئون الخارجية، وتبقى إدارة الإمارة داخليا بيد السيد الحسن الإدريسي، يساعده في الإدارة عامل سعودي يعينه الملك عبد العزيز آل سعود.
مجلس شورى المقاطعة الإدريسية
عندما عجز الإدريسي عن إدارة الشؤون المحلية لإمارته، كالمحافظة على ضبط الأمن، والإدارة، والجباية، وغيرها من الأمور الداخلية في الإمارة، أبرق الحسن الإدريسي إلى الملك عبد العزيز آل سعود في 17جمادى الأولى 1349هـ، 1930م يقول: «تقرر بموافقتنا ورضانا إسناد إدارة بلادنا وماليتنا إلى عهدة جلالتكم».
وأمر الملك عبد العزيز آل سعود بتأليف مجلس شورى خاص بالمقاطعة الإدريسية يتكون من أهلها ولا تكون قراراته نافذة إلا بعد موافقة السيد الحسن الإدريسي، وكانت وظيفة هذا المجلس النظر في الأمور الداخلية للمقاطعة التي ضمت وتوحدت مع البلاد السعودية، وظل الحسن الإدريسي وكأنه رئيس لحكومة محلية في الإمارة الإدريسية، وكانت كل الأوامر الداخلية تصدر عن الحسن الإدريسي نيابة عن الملك عبد العزيز آل سعود في كل الشئون الداخلية للمقاطعة، ولكن دسائس ومؤامرات حزب الأحرار الذي يتزعمه الشريف عبد الله بن الحسين دفعت الحسن الإدريسي إلى التهور؛ مما عجل بنهاية نفوذه في المنطقة، فقد تمرد على حكم الملك عبد العزيز، وتعاون مع أعدائه، وحبس الأمير السعودي فهد بن زعير وجماعته من الموظفين السعوديين في المقاطعة الإدريسية، فأرسل الملك عبد العزيز قوات كثيفة العدد والعدة إلى صبيا برا وبحرا قضت على مقاومة الحسن الإدريسي، فهرب الإدريسي إلى صنعاء حيث كان الإمام يحيى يدعمه ويشجعه على الثورة.
وظل الحسن الإدريسي والأدارسة في اليمن حتى معاهدة الطائف التي أنهت الحرب بين السعودية واليمن عام 1353هـ، 1934م، عندها سلم إمام اليمن الحسن الإدريسي ومن معه من الأدارسة إلى الملك عبد العزيز آل سعود بموجب أحد شروط اتفاقية الصلح بين الطرفين الذي ينص بشكل صريح على تسليم الأدارسة للملك عبد العزبز آل سعود.
وهكذا زالت الإمارة الإدريسية وانتهى دور الأدارسة، في مجال سياسة مناطق شبه الجزيرة العربية، وزال نفوذهم، واختفت تطلعاتهم تجاه السيادة والسلطة.
ضمُّ المنطقةِ الغربيَّةِ (الحجازِ)
أسباب ضم الحجاز
المنطقة الغربية (أو الحجاز) هي آخر التحصينات التي فتحها الملك عبد العزيز في الحجاز، فقد ساد جو عدم الثقة بين عبد العزيز آل سعود والشريف حسين بن علي، شريف الحجاز قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، تدل على هذا حادثة أسر الشريف حسين بن علي لسعد بن عبد الرحمن آل سعود أخي عبد العزيز آل سعود الذي كان في بادية عتيبة يستنفر رجالها بأمر من أخيه عبد العزيز آل سعود.
وقد عد عبد العزيز آل سعود هذا التصرف بمثابة اعتداء صريح عليه من الشريف حسين، وفهم عبد العزيز آل سعود من هذا الحادث أنه أسلوب يتبعه الشريف حسين بن علي للمساومة؛ ولهذا صار يتنقل من ماء إلى ماء لا يريد المواجهة مع عبد العزيز فقد كتب إلى عبد العزيز يقول: «إذا هجمت علينا تركنا لك المعسكر والخيام وعدنا بأخيك سعد إلى مكة، فيبقى عندنا إلى أن تطلب الصلح»، وكان يرافق الشريف حسين الشريف خالد بن لؤي، وكان أهل بلده ممن اعتنق دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وانضم إلى الدولة السعودية الأولى وسار هو وأسرته على هذا المنهج، فتوسط بين الشريف حسين وعبد العزيز بن سعود حيث أخبره أن الشريف ليست له غاية سيئة ولكنه يريد (أن يحفظ ماء الوجه مع الترك)، فقبل عبد العزيز وساطة خالد بن لؤي وكتب له (قصاصة ورق) تنفع الشريف عند الترك ولا تضر كاتبها، وتعهد فيها أن تدفع بلاد نجد مبلغا كل، ولم تكن سوى قصاصة من ورق.
النـزاع على الحدود
في أثناء الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها توترت العلاقة بين عبد العزيز آل سعود والشريف حسين بن علي؛ بسبب حوادث النـزاع حول ترسيم الحدود بين نجد والحجاز، وتردت العلاقة بين الطرفين عندما منع الشريف حسين النجديين من دخول الحجاز لأداء فريضة الحج، وساءت الأمور كثيرا بسبب ثورة الشريف حسين بن علي على الأتراك العثمانيين وتطلعاته الرامية إلى قيادة العالم العربي وزعامته، وقد تطور هذا الأمر عندما أعلن الشريف حسين بن علي أنه خليفة المسلمين، وقد دعم الشريف حسين آل رشيد ضد ابن سعود، ودعم أيضا آل عائض في عسير بالإضافة إلى الخلافات الأخرى، التي كانت تنشب بين الطرفين؛ بسبب تبعية القبائل البدوية، والمشكلات التي كانت تحدثها القبائل من جهة أخرى.
وقعة تربة في عام 1919م
لقد أدى النـزاع على الحدود بين نجد والحجاز، خاصة حول واحتي تربة والخرمة إلى وقوع الحرب بين الطرفين في وقعة تربة في 25 شعبان عام 1337هـ، أوائل عام 1919م، أثناء فترة انعقاد مؤتمر السلام في باريس في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وانتصر فيها الجيش السعودي على جيش الشريف حسين الذي كان يقوده الأمير عبد الله، وكان الانتصار كبيرا، حيث إن الجيش الهاشمي المنظم قد شتت شمله؛ لذا تعد وقعة تربة بداية المشوار في ضعف الهاشميين في الحجاز، ثم سقوط دولتهم فيه، وتعد وقعة تربة أيضا فاتحة ضم مناطق الحجاز وتوحيدها ضمن بلاد الدولة السعودية الحديثة؛ لأن تربة هي بوابة بلدان الحجاز من الداخل.
وقعتا الحوية والهدا
شن الجيش السعودي هجوما على قوات الشريف حسين في الطائف، فدارت وقعة في الحوية قرب الطائف تراجع فيها الجيش الهاشمي أمام القوات السعودية، ثم هجم السعوديون على الطائف فدخلوها عنوة في 7 صفر عام 1343هـ، 1924م ودارت وقعة فاصلة في الهدا، بين القوات السعودية وقوات الأمير علي بن الحسين، انتصرت فيها القوات السعودية واستولت على معسكر الأمير علي بن الحسين في الهدا، واضطرت القوات الهاشمية إلى التراجع باتجاه مكة المكرمة، وقع ذلك في ليلة 27 صفر من العام نفسه.
وفي صباح اليوم الخامس من شهر ربيع الأول عام 1343هـ، 1924م، اضطر الشريف حسين بن علي إلى قبول التنحي والاعتزال عن حكم الحجاز، ونودي بابنه الأمير علي بن الحسين ملكا على الحجاز، وقد أخلى الملك علي مكة المكرمة في ليلة 16 من ربيع الأول 1343هـ، 1924م، ودخلها السعوديون في 17 من ربيع الأول من العام نفسه وهم محرمون للعمرة؛ لأن علماء الرياض أفتوا بأنه لا يجوز دخول الحرم بنية القتال.
ضم المدينة
دخل سلطان نجد وملحقاتها مكة المكرمة وبايعه علماؤها وشيوخها ووجهاؤها، وأخذ يعد العدة لضم كل ما تبقى من مدن الحجاز وبلدانه، فأمر قواته بحصار مدينة جدة في 7 جمادى الآخرة عام 1343هـ، الموافق 3 يناير 1925م، وتولى سلطان نجد وملحقاتها قيادة جيشه بنفسه، فعسكر في الوزيرية ثم في الرغامة، وأخذ يضيق الخناق على المدينة، ووجه بعض السرايا إلى كل من القنفذة، ورابغ، وينبع، والعلا، والليث، واستطاعت تلك القوات دخولها، وكان سلطان نجد وملحقاتها يمعن في حصار جدة، وكان يخطط أيضا لأن تكون جميع موانئ الحجاز ومناطق عبوره البحرية بيد قواته، وكان سلطان نجد وملحقاتها قد وجه فيصل الدويش لدخول المدينة المنورة، ورفض أهلها الاستسلام إلا عندما يحضر أحد أبناء السلطان عبد العزيز، وأخيرا استسلمت إلى الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود في 19 جمادى الأولي عام 1344هـ، 1925م بعد أن أمن الضباط والجند والأهالي على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم، وأصدر أمرا بالعفو العام.
الشريف حسين يتنازل عن الحكم لابنه علي
أما مكة، فبعد أن هزم الجيش السعودي الجيش الهاشمي، ودخل الطائف منتصرا ساءت الأحوال في مكة، وشحت الأقوات، وانتشرت الفوضى، واختل الأمن؛ مما دفع أهل الحل والعقد، أن يعقدوا مؤتمرا في جدة لبحث إيجاد أسلوب لتخليص الحجاز من حكم الأشراف، وكانت الخطوة الأولى أن يطلبوا من الشريف حسين التنازل عن الحكم لابنه علي، فأرسلوا في الرابع من ربيع الأول عام 1343 هـ، الثالث من أكتوبر عام 1924م، برقية يطلبون منه ذلك، وقد وقع البرقية مائة وأربعون من العلماء والأعيان والتجار، وبعد جدال ومحاورة بين الحسين والأعيان تنازل لابنه في الخامس من الشهر نفسه.
المفاوضات والتوصل إلى صلح
بعد ذلك دارت مراسلات ومفاوضات بين ممثلي أهل الحجاز والقادة السعوديين في مكة، وكان نتيجتها أن قرر رئيس الحزب الوطني حله وانتهاء مهماته؛ مما كان سببا في إلقاء القبض على بعض أعضائه وسجنهم بتهمة موالاة السعوديين وتيسير مهمة ضم الحجاز إلى الدولة السعودية الثالثة. أما الملك علي فقد تحصن في جدة؛ مما اضطر الملك عبد العزيز أن يفرض حصارا مشددا على البلد قاده بنفسه، واستمر أكثر من عام مع أن الفرصة كانت مواتية للنصر واقتحام جدة، ولكن الملك عبد العزيز آثر التريث حفاظا على جيشه وعلى الأجانب المقيمين فيها، وأملا في تسليم الملك علي دون قتال، وقد تم له ما أراد، فبعد مراسلات وواسطات عرض الملك علي التسليم والخروج من البلاد بشروط وتوصل الطرفان إلى صيغة الصلح وشروطه، ووقعه كل من سلطان نجد وملحقاتها والملك علي بن الحسين في غرة جماد الآخرة 1344هـ، 17 ديسمبر 1925م، وأتت بنوده كما يلي:
  1. يغادر الملك علي مدينة جدة قبل مساء يوم الثلاثاء 6 جمادى الآخرة 1344هـ، وله أن يأخذ جميع أمتعته الشخصية بما في ذلك سيارته وخيوله.
  2. لا يحق للملك علي أن يخرج شيئا من المعدات الحربية، وما لحكومته من بواخر وقوارب وسنابيك.
  3. يؤمن سلطان نجد وملحقاتها سلامة الموظفين العاملين في الحكومة الهاشمية من مدنيين وعسكريين وكذلك جميع أهالي المدينة من حضر وبدو، وأن يمنح الجميع العفو العام، ويتعهد بترحيل جميع الضباط والجند الهاشميين، الذين لا يرغبون البقاء في جدة إلى بلادهم ويوزع على الموجودين منهم بجدة خمسة آلاف جنيه ذهبي.
اكتمال الدولة السعودية الثالثة
وهكذا انتهى الحكم الهاشمي في الحجاز، وأصبحت الدولة السعودية الثالثة تضم جميع البلاد التي كانت تتبع الدولة السعودية الأولى في فترة عصرها الذهبي؛ وبذلك تمكن الملك عبد العزيز آل سعود من توحيد جميع المناطق في دولة قوية موحدة هي المملكة العربية السعودية، وقد صرف الملك عبد العزيز جهدا كبيرا في سبيل تحقيق ذلك، ودام هذا العمل الشاق والصعب مدة تصل إلى حوالي ربع قرن من الزمن، قضاها الملك عبد العزيز آل سعود محاربا في سبيل توحيد البلاد وإعادة مجد البيت السعودي وتاريخه الطويل.
ويعد توحيد البلاد العربية السعودية من أهم الإنجازات السياسية التي حققها الملك عبد العزيز، وتتضح هذه الحقيقة من قوة الدولة التي يتمتع فيها المواطن بالاستقرار والراحة والهدوء، وينعم بالأمن في ظل حكومة مركزية قوية تحمي رعاياها وتكفل لهم العزة والكرامة في وطن آمن مستقر، وهي أمور يرجوها المواطن في كل مكان وزمان، وتتضح هذه الحقيقة الثابتة إذا قارنا الوضع المستقر والآمن بحال الفوضى والاضطراب التي كان يعيشها المواطن في مناطق الجزيرة العربية قبل التوحيد السياسي، وفي غياب الدولة المركزية القوية.
بناءُ الدولةِ السعوديَّةِ الحديثةِ
أسماء الدولة وألقاب حكامها
اعتمد بناء الدولة السعودية الحديثة في كل المجالات على كل مقومات الدولة الحديثة المنظمة في العصر الحديث، وهي مجالات السياسة والدبلوماسية والدستور والأنظمة واللوائح التنظيمية الإدارية والمجالات العسكرية والأمنية، ومجالات التعليم والبناء الاجتماعي والحضاري، ومجالات الزراعة والصناعة والتجارة وغيرها.
أسماء الدولة وألقاب حكامها:
الدولة السعودية الثالثة هي بطبيعة الحال وريثة الدولتين السعوديتين: الأولى والثانية في كل الاعتبارات، وكان حكام الدولتين السعوديتين الأولى والثانية قد لقبوا بالإمام، وهو لقب معروف في الدولة الإسلامية، وللإمامة حقوق وواجبات في الطاعة والأحكام.
وتذكر المصادر التاريخية أن لقب الإمام كان من أحب الألقاب إلى نفس الملك عبد العزيز آل سعود، وكان الملك عبد العزيز قد لقب بالإمام رسميا بعد وفاة أبيه عبد الرحمن بن فيصل في عام 1346هـ، 1928م.
وفي مطلع تكوين الدولة السعودية الحديثة سارت السلطة والسيادة منذ أول عهدها باتجاه مفهوم الدولة الحديثة؛ لأنها قائمة على أساس تجربة الدولة السعودية السابقة، وكان حاكمها عبد العزيز آل سعود قد لقب رسميا في المخاطبات الرسمية والمكاتبات، ولدى الحكومات والبعثات السياسية والدبلوماسية، بأمير نجد.
لقب الملك والسلطان
في عام 1339هـ، 1921م عقد مؤتمر في الرياض حضره علماء البلاد ورؤساؤها، وقرر المؤتمر أن يكون لقب حاكم البلاد سلطان، وأصبحت الكتب والرسائل والمخاطبات تحمل النعت واللقب: صاحب العظمة سلطان نجد.
وعندما توحدت كل من منطقة عسير وجبل شمر في بوتقة الدولة السعودية الثالثة عام 1340هـ، 1922م، أصبح لقب السلطان هو عظمة سلطان نجد وملحقاتها وسميت الدولة السعودية الثالثة وقتذاك بسلطنة نجد وملحقاتها.
وبعد دخول سلطان نجد وملحقاتها مدينة جدة في عام 1345هـ، 1926م، وإنهاء حكم الأشراف في كل إقليم الحجاز، اجتمع رؤساء بلدان الحجاز وأعيانها وبايعوا السلطان عبد العزيز ملكا على الحجاز وأصبح لقب عبد العزيز الجديد هو جلالة ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها وأصبحت كل المكاتبات والمراسلات منذ ذلك الحين تحمل هذا اللقب، وأصبح اسم الدولة: مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، واعترفت بذلك الدول العربية والأجنبية.
وفي 25 رجب عام 1345هـ، الموافق 19 يناير 1927م، بايعه أهل نجد في الرياض ملكا على نجد، فأصبح لقبه هو جلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، وأصبح اسم الدولة هو مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها.
توحيد المملكة العربية السعودية
في 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، 1932م، صدر مرسوم ملكي في الرياض بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة في اسم واحد هو المملكة العربية السعودية، وملكها صاحب الجلالة ملك المملكة العربية السعودية، وجرى تنفيذ ذلك ابتداء من يوم الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ، الموافق 22 سبتمبر 1932م.
واتخذ الملك فهد بن عبد العزيز لقبا جديدا هو خادم الحرمين الشريفين في 24 من صفر عام 1407هـ، أكتوبر 1986م.
وقد اتخذ خلفه وشقيقه الملك عبد الله بن عبد العزيز اللقب نفسه عندما نودي به ملكا على المملكة العربية السعودية في يوم 26 جمادى الآخرة 1426هـ، الموافق الأول من أغسطس 2005م.
تنظيمات الدولة: اختارت الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد العزيز آل سعود شكل شعار الدولة وعلمها، فأصبح شعار الدولة مؤلفا من سيفين متقاطعين، في وسطهما نخلة، أما علم الدولة فأصبح لونه أخضر، وفي وسطه «لا إله إلا الله محمد رسول الله» باللون الأبيض، وبسيف أبيض واحد يكون مستطيلا.
دستور الدولة
يقوم دستور الدولة السعودية الثالثة على الأساس نفسه الذي قام عليه دستور الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، فدستور الدولة السعودية الثالثة: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويقوم الحاكم بتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق التوحيد، وهي في أحكامها تستند إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة، وما أجمع عليه الأئمة الأربعة، فالحكم السعودي والحاكم السعودي مقيدان بشكل كامل بأحكام الشرع الإسلامي.
التعليمات الأساسية للدولة
صدرت التعليمات الأساسية للدولة السعودية الثالثة في الجريدة الرسمية يوم 21 صفر 1345هـ، 31 أغسطس 1926م، وهي أنظمة وقوانين ولوائح تعرف بالدولة السعودية الحديثة، وشكلها ودستورها وتنظيماتها الإدارية، وهي أول نظام وضع لتنظيم الدولة في أعقاب اتخاذ الدولة السعودية الحديثة اسم مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها، وأهم التعليمات هي:
  1. إن المملكة مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا لا يقبل التجزئة.
  2. المملكة دولة ملكية، شورية، إسلامية، مستقلة.
  3. لغة الدولة اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبلاد.
  4. إدارة الدولة بيد الملك، وهو مقيد بأحكام الشرع الإسلامي.
  5. أحكام الدولة مطابقة لما ورد في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح.
  6. ينوب النائب العام عن الملك في الحجاز.
  7. تنظيم الإدارة وإنشاء مجلس الشورى، والمجلس الإداري، ومجالس النواحي ومجالس القرى.
الوزارات
وأعقب ذلك تكوين الوزارات في البلاد السعودية، إذ قبل ذلك كان هناك الديوان الملكي وهو وحده الذي يتولى تصريف الشؤون الداخلية والمحلية، ومرجعه الأول الملك مباشرة، وأنشئت بعد ذلك وزارات مسؤولة عن تصريف أمور الدولة تحت إشراف الملك مباشرة، فأنشئت وزارة الشؤون الخارجية في رجب 1349هـ، أواخر عام 1930م، وعين الأمير فيصل بن عبد العزيز أول وزير لها، وأسس مجلس الوكلاء في عام 1350هـ، 1931م.
وتلا ذلك تكوين وزارة المالية في عام 1351هـ، 1932م، وهو العام الذي لقبت فيه الدولة باسم المملكة العربية السعودية، وأصبح عبد الله السليمان أول وزير لها، وتوالى بعد ذلك تأسيس الوزارات في الدولة السعودية الحديثة بشكل متعاقب وتدريجي حسب الحاجة والمتطلبات وافتتح أول مجلس وزراء سنوي في 3 ذي الحجة 1372هـ، 20 يوليو 1953م، في العام الأخير من حياة الملك عبد العزيز آل سعود، ثم صدر مرسوم ملكي موقع من قبل الملك عبد العزيز يقضي بجعل مجلس الوزراء تحت رئاسة ولي العهد، في 3 من صفر 1373هـ، 11 / 10 / 1953م.
العلاقات الدولية الخارجية
بعد ضم الحجاز إلى الدولة السعودية الثالثة، نشأ في البلاد السعودية تنظيم خاص للعلاقات الدولية أقيم على قواعد المعاملة بالمثل والتبادل الدبلوماسي المتكافئ، والصداقة المتبادلة القائمة أساسا على الأعراف الدولية المتبعة في التعامل الدبلوماسي بين دول العالم، فأقامت الدولة السعودية الحديثة علاقات دبلوماسية مع دول العالم، وعينت السفراء والقناصل والوزراء المفوضين لهذه الغاية، ومرجعهم في ذلك وزارة الخارجية السعودية، وتكون الدولة السعودية الحديثة هي الدولة السعودية الأولى من بين الدول السعودية المتعاقبة التي عرفت التمثيل السياسي والدبلوماسي المنظم.
النظام الإداري
يعد صدور التنظيمات الأساسية بداية البناء الإداري في الدولة السعودية الحديثة، وبدأ هذا البناء الإداري أولا في مملكة الحجاز التي كان سكانها قد تعودوا على الأنماط الإدارية المنظمة في العهدين: العثماني والهاشمي قبل توحيد الحجاز وضمه إلى الدولة السعودية الثالثة.
ظلت التعليمات والأنظمة الإدارية واللوائح التنظيمية السعودية تصدر تباعا وبشكل تدريجي وحسب الظروف والحاجة إليها؛ وذلك من أجل الإصلاح والتحسين والتعديل اللازم والضروري، وكلها من متطلبات البناء الحضاري الحديث، فاستحدثت الدولة المجالس الإدارية المختلفة، وأنشأت النيابة العامة في الحجاز في عام 1345هـ، 1926م، وأقرت أنظمة المقاطعات الإدارية، وأنظمة المجالس الإدارية الملحقة بالمقاطعات، ونظمت الشؤون القضائية والمالية وغيرها من الشؤون التي تتطلب التنظيم.
أنظمة الحكم والشورى
صدر في 27 شعبان عام 1412هـ، 1 مارس 1992م المرسوم الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في شأن إقرار أنظمة الحكم والشورى والمناطق في المملكة العربية السعودية؛ والذي اعتبر نقلة نوعية متميزة في البناء والتأسيس، وجاءت تلك الأنظمة على هدي من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي مع ذلك وليدة التجربة السياسية والإدارية التي طبقت فعليا في البلاد السعودية منذ استحداث الأنظمة السياسية والإدارية في الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة.
سياسة توطين البدو
يعاني البدو في البادية من مشكلات قد تكون أعمق وأعقد من مشكلات الجماعات الحضرية المستقرة، ومن بين تلك المشكلات تأتي مشكلة التنقل الدائم والترحال المستمر داخل البادية من جهة وخارجها من جهة أخرى، وعلى الرغم من تلك المشكلة فقد ظل البدوي يفتخر بحياة الترحال والتنقل وعدم الاستقرار، وظل يرى في قرارة نفسه أنه الفرد الاجتماعي المثالي لبني البشر أينما كانوا، وأينما حلوا.
إن نظام التنقل والغزو الدائم في بيئة البادية قد أديا بالفعل إلى انقطاع حبل الأمن، وأوجدا أنواعا من عدم الاستقرار السياسي، وأحدثا شرخا في العلاقات القائمة بين مجتمع البادية وبين الجماعات الحضرية، وبين مجتمع البادية والسلطة المركزية القائمة على أساس سيادة الحضر، وقد تعدى ذلك ليحدث نزاعات بين السلطات المتجاورة، خاصة حول موضوع تبعية تلك القبائل المترحلة.
وأصل نظام الغزو في مجتمع البادية مبدأ الأخذ بالثأر، وأوجد نوعا من التحامل القبلي الذي يحتاج إلى وقت طويل كي ينتهي ويتلاشى، كما أن الجهل عند البدو يعد مشكلة اجتماعية حقيقية، فالبدوي بعيد كل البعد عن التعليم وعن التيارات الثقافية المتوافرة في الحضر ولدى الجماعات البشرية المستقرة.
تنفيذ مشروع توطين البدو
ومن خلال هذا كله رأى الملك عبد العزيز آل سعود ضرورة السيطرة على النـزعة البدوية والإفادة من إيجابياتها، وهو ذكاء خارق من الملك عبد العزيز يوضح مدى عمق فكره السياسي والاجتماعي، ويبين مدى سعة أفقه، ويعكس ذلك توجها، يقوم على أفكار اجتماعية، ودينية، وتعليمية، واقتصادية، وعسكرية؛ ومن هنا ظهر مشروع توطين البدو الذي خطط له الملك عبد العزيز وهيأ له السبل والوسائل التي أدت إلى إنجاحه، فاختار الملك عبد العزيز لهذا المشروع جماعة قادرة على الإفادة من بساطة البدوي وعاطفته وفطرته.
وجند له عددا من العلماء والمرشدين، وخصص له الأموال وكميات من الأرز والشاي والبن وغيرها من متطلبات حياة البدوي، وحاول الملك قدر استطاعته أن تكون أنظمة المشروع وقوانينه مرنة كي يستطيع من خلال ذلك أن ينفذ مشروعه في جو يكون فيه البدوي المعني أكثر قناعة، وتقبلا لمشروع يعد ظاهرة فريدة في شبه الجزيرة العربية وفي خارجها خاصة في الوطن العربي الذي يكثر فيه البدو ومجتمعات البادية.
أهداف مشروع التوطين
يعد مشروع توطين البدو الذي نفذه الملك عبد العزيز، ظاهرة متقدمة في مجال البناء الاجتماعي في شبه الجزيرة العربية، وهو مشروع رائد من المشروعات الاجتماعية الهامة في المنطقة العربية برمتها، فقد رأى الملك عبد العزيز بثاقب بصيرته وبعد نظره السياسي والحضاري أن يوطن البدو في هجر وقرى مستقرة تحقق غايات دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فخطط الملك عبد العزيز بأن يجمع القبائل المتنقلة والمتفرقة في دولته ويوحدها في إطار نوع من الاستقرار ضمن الدولة الأم مدفوعا بمبادئ دينية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فركز الملك على أن يجعل البدوي يشعر بمسؤولية المواطنة، وحرص قدر إمكانه على أن يغرس فيه مبدأ حب الاستقرار، والإقامة الثابتة، والاستيطان المستقر.
يقول الملك عبد العزيز: «إنني أريد تطوير نزعة البدو الفطرية إلى الحرب، حتى يشعروا بأنهم أعضاء في جماعة واحدة، إنه عمل شاق، ولا أنكر ذلك، ولكن الجانب الكبير منه سيتحقق عندما تبدأ وحدات جيشي تشعر أن الهجر التي نشأت هي بمثابة وطن صغير لها في وسط الوطن الكبير القاحل».
حاول الملك عبد العزيز أن يعلم البدو، بواسطة العلماء، مبادئ الدين الإسلامي وأحكامه؛ حتى لا يظلوا في جهل عن أمر دينهم ودنياهم، إنه مشروع يجدد مبادئ الدعوة السلفية بين البدو، ويعودهم على طاعة السلطة المركزية، ويعودهم أيضا على الولاء للدولة أكثر من ولائهم للقبيلة، إنه يجعل البدو يشعرون بروابط الانتماء إلى الوطن والمواطنة في نطاق وطن أرحب وأوسع من نطاق ديارهم والأرض التي يتنقلون عليها ويرتحلون إليها، إنه مشروع يجمع أكبر قوة عسكرية محاربة يكون أفرادها من البدو الذين استقروا وهجروا حياة الترحال والتنقل، مما يعود البدوي على تقبل مبدأ الطاعة والانقياد، إنه مشروع يعلم البدو الزراعة ويعمل على ربط البدوي بالأرض فتتغير بذلك وظيفته الاقتصادية حين ينتقل من وظيفة الرعي إلى وظيفة العمل بالزراعة والفلاحة، وحين يصبح عسكريا يقوم بمتطلبات الجندية حتى وإن كانت جندية مؤقتة وغير ثابتة في الظرف الراهن، إنه مشروع حضاري جيد في حال نجاحه وتحقيق أهدافه الكبرى.
نتائج مشروع التوطين
على الرغم من السلبيات والمشكلات التي تعرض لها مشروع الملك عبد العزيز لتوطين البدو، وما قام به بعض الجماعات الموطنة من عصيان وتمرد، إلا أن المشروع حقق الكثير من النتائج الإيجابية، من أهمها:
  1. قبول البدوي لمبدأ التوطين والاستقرار، وقد انتشر هذا المبدأ بسرعة كبيرة في البادية، وأصبحت الهجرة الواحدة أحيانا يسكنها حوالي عشرة آلاف نسمة.
  2. قلل المشروع من نسبة البداوة في الدولة السعودية الحديثة، وزادت معه نسبة السكان الحضر وفتح الباب أمام تحول اجتماعي كبير، واكبه تحول اقتصادي وثقافي.
  3. أصبح البدوي يتقبل مفهوم المواطنة بعد أن وطن في الهجر، وابتعد إلى حد ما عن عهد الترحال وظروفه ومتطلباته، وانخرط البدوي في مجتمع الدولة، وأصبح أكثر طاعة وولاء للسلطة المركزية عما كان عليه في السابق.
  4. عم الأمن والسلام وساد بشكل أوسع، وغدت طرق القوافل وطرق الحجيج آمنة أكثر مما كانت عليه وانعكس أثر ذلك على الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد.
  5. تعرف البدو إلى حد ما على مفهوم الدولة المنظمة، وقد حل هذا محل سيادة القبيلة؛ وبذلك يكون التوطين قد نقل البدوي من حالة الفوضى وعدم الخضوع للنظام إلى حالة من الاستقرار والعيش الهادئ في جو الأمن والطمأنينة والسلام.
  6. أوجدت حركة التوطين هذه نوعا من التعليم القائم في أساسه على الجانب الديني.
  7. أوجدت حركة التوطين قوة عسكرية غير منظمة، لكنها جاهزة تماما للخدمة وقت إعلان النفير العام، ووقت الحرب، وأصبحت هذه القوة العسكرية البدوية تشكل أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وقد أفاد منها الملك عبد العزيز إفادة كبيرة أثناء مشروع توحيد البلاد السعودية.
  8. حطم مشروع التوطين الفردية والفوضوية التي ظلت تسود مجتمعات القبائل المتناحرة والمتنافرة، ووظفت طاقة القتال هذه في خدمة القضايا المشتركة والدفاع المشترك عن الأمة والدولة والدين والوطن، وعندما توطد مبدأ الشعور بالمواطنة سهل ذلك عملية توحيد مقاطعات الدولة.
  9. أوجد مشروع توطين البدو مسؤوليات جديدة للجماعات البدوية، وأوجد أيضا قيما جديدة مما جعل البدوي ينظر إلى الحياة من خلال نظرة أعمق وأشمل.
البناء التعليمي السعودي
ظل التعليم يسير على النمط التقليدي المتوارث طيلة فترة توحيد البلاد العربية السعودية، فلم يظهر التعليم الحديث المنظم إلى حيز الوجود إلا في أواخر العشرينات من القرن العشرين الميلادي بعد أن تمكن الملك عبد العزيز آل سعود من إتمام عملية توحيد أقاليم الدولة السعودية في إطار الدولة القوية الموحدة، إذ نهج الملك عبد العزيز سبل الإصلاح والتجديد والبناء في كافة البلاد السعودية.
تطور وحداثة التعليم
زاد التعليم تطورا وحداثة بعد ازدياد مخصصاته المالية ضمن ميزانية الدولة بعد اكتشاف النفط كسلعة تجارية هامة جلبت للدولة السعودية أموالا طائلة؛ فأخذ التعليم يتطور في عدد مدارسه ومادته التعليمية وأسلوبه ومنهجه، مبتعدا تدريجيا عن أساليب التعليم القديم، وظل في حالة تطور مستمر، وتكفلت بجميع ميزانيته الحكومة السعودية، بالإضافة إلى منح الطالب مكافأة شهرية تشجيعا على طلب العلم.
في عام 1344هـ، 1926م أسس الملك عبد العزيز آل سعود مديرية المعارف العامة، وارتبطت بالنائب العام، ويصرف أعمالها مدير معارف عام، ويعاونه معاون المدير، واقتصر اختصاصها على ما يتعلق بشؤون التربية والتعليم، ولقلة المدرسين استقدمت الحكومة السعودية المعلمين من الخارج، من البلاد العربية المجاورة وعلى رأسها مصر، وأسست الدولة المعهد العلمي ومهمته إعداد المعلمين لمرحلتي الابتدائي والأولي، وقامت الحكومة السعودية بإرسال البعثات التعليمية إلى خارج البلاد خاصة إلى مصر، وقد أرسلت أول بعثة تعليمية للطلاب السعوديين إلى الخارج في عام 1346هـ، 1927م.
الاهتمام بالبعثات وبالعلوم الشرعية والعربية
أنشأت الحكومة السعودية مدرسة تحضير البعثات في عام 1354هـ، 1935م، ووضع لها منهج استمد من منهج الدراسة في مصر، واقتصر اختصاصها على تهيئة الطالب السعودي للالتحاق بالمعاهد العليا والكليات الجامعية في مصر وغيرها، وتجسيدا لعناية الملك عبد العزيز بالعلوم الشرعية والعربية، أمر بافتتاح دار التوحيد في الطائف لتتولى تدريس هذه العلوم حسب الطرق التربوية الحديثة (في ذاك الوقت) واختير لها نخبة من علماء الأزهر، إضافة إلى العلماء من السعوديين، وفي عام 1369هـ، 1949م، افتتحت كلية الشريعة بمكة، وتعد أولى المراحل الجامعية في المملكة.
تطوير العلوم الشرعية والعربية
في عام 1369هـ، 1949م تذاكر جلالة الملك عبد العزيز مع سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (رئيس القضاة والمفتي الأكبر في المملكة) في أمر حلقات تدريس العلوم الشرعية والعربية التي كانت منتشرة آنذاك وتنظيمها لتواكب الأساليب العلمية والتربوية الحديثة، وتنسجم مع أنظمة الشهادات التي بدأ منحها لمن ينهي مرحلة من مراحل التعليم، واستقر الرأي على إنشاء معهد الرياض العلمي وافتتح في شهر ذي الحجة عام 1370هـ، 1950م، ثم افتتحت كلية العلوم الشرعية (بالرياض) في عام 1373هـ، 1953م، وهذا المعهد وتلك الكلية هما نواة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التعليم في القرى والهجر
لم يقتصر التعليم على المدن، بل امتد إلى القرى والهجر، فتعلم الطلاب في الهجر القرآن الكريم، وأركان الإسلام، والعبادات، ومبادئ القراءة والكتابة، وكان يقوم بالتعليم في القرى والهجر بعض طلبة العلم، ويسمى الواحد منهم (مطوع) وجمعها (مطاوعة)، وكان التعليم في البداية يتم إما في منـزل المطوع وهو الأعم، وأحيانا في المساجد، ومستواه العلمي محدود جدا، وهي أشبه بالكتاتيب في بداية أمرها، وعندما استقرت الأوضاع العامة في المملكة تطورت وازدهرت عن ذي قبل، ونظمت بحيث تكون مدارس نظامية تشبه مثيلاتها في المدن، وترتبط بمديرية المعارف العمومية.
مدارس الأمراء
أنشأ الملك عبد العزيز مدارس خاصة بالأمراء، كانت في قصره لتعليم صغار الأمراء من أبنائه وأبناء الأسرة السعودية، وقد سميت بمعهد الأنجال؛ لأنها في البداية كانت مقصورة عليهم، وأنشأ الأمير فيصل بن عبد العزيز، النائب العام مدرسة في الطائف سميت بالمدرسة النموذجية يتعلم فيها أبناء الأمراء وغيرهم، ثم نقلت المدرسة من الطائف إلى جدة، وأصبحت بعد ذلك تسمى مدارس الثغر النموذجية بعد أن ضمت إلى وزارة المعارف السعودية. وقد اهتمت الحكومة السعودية بتعليم الكبار ففتحت المدارس الليلية لهم، ضمن مشروع عام لمكافحة الأمية المنتشرة بكثرة في ربوع البلاد، وشكلت لجنة لترعى شئون المدارس الليلية سميت بلجنة تشجيع المدارس الليلية، ولها فروع في مكة والمدينة المنورة والهفوف والرياض وغيرها، وفتحت الحكومة السعودية إلى جانب مدارس الكبار الليلية مدارس لتعليم استخدام الآلة الكاتبة، ومدارس أخرى لتعليم اللغة الإنجليزية.
إنشاء وزارة المعارف السعودية
قفز التعليم في البلاد السعودية قفزة كبيرة حينما أنشئت في البلاد وزارة المعارف السعودية في سنة 1373هـ، 1953م، وكان أول وزير للمعارف خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، وفي عهد هذه الوزارة خطت البلاد السعودية خطوات واسعة جدا في مجال التعليم في مراحله المختلفة: الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، والجامعية، كما تقدم التعليم في مجال التعليم الفني (المهني)، كالمدارس الصناعية، والكليات التقنية، والتجارية، والزراعية من أجل إعداد جيل من أهل البلاد يعمل في الحقل المهني.
أما عن مدارس تعليم البنات، فقد توسعت وتقدمت وتطورت كثيرا بعد أن أشرفت عليها الجهة المختصة بها، وهي الرئاسة العامة لتعليم البنات؛ إذ كان تعليم البنات في أول أمره محدودا ومقصورا على منطقة دون الأخرى، قبل ظهور التعليم المنظم للفتاة السعودية في ظل الرئاسة العامة لتعليم البنات، وكان تعليم الفتاة السعودية قبل ذلك يقتصر على قراءة القرآن ومبادئ الكتابة والحساب. وقد خصصت الدولة ميزانية كبيرة لتعليم البنات؛ مما أدى إلى توسيع دائرة التعليم في هذا المجال في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية للبنات، وفتحت كليات للبنات فيها كل التخصصات الأدبية والعلمية.
وعني بتدريس العلوم الشرعية في المعاهد العلمية الدينية.
التعليم العالي السعودي
أما التعليم العسكري فقد اختصت به العسكرية، ومن أبرز معالم التقدم العلمي في المملكة العربية السعودية، أن أصبح فيها اليوم سبع جامعات تضم كل التخصصات العلمية والتطبيقية والنظرية.
الزراعة
لم يكن للزراعة، في مطلع عهد التنظيمات والإصلاح في الدولة السعودية الثالثة، حظ كبير من العناية والاهتمام؛ وذلك لأن البلاد في معظمها أشبه بمناطق بادية وصحراء، والمياه فيها قليلة، والأمطار قليلة وأحيانا نادرة، بالإضافة إلى صعوبة المواصلات في بلاد واسعة الأرجاء، فيها الصحاري والجبال الشاهقة والوديان، وغير ذلك من معوقات اتساع نطاق الزراعة في ظل وضع عام كانت تسير فيه البلاد بشكل بطيء باتجاه الآلة والأساليب الحديثة، ومما لا شك فيه أن هناك واحات منتشرة هنا وهناك في البلاد السعودية، لكن نظام الزراعة وطرقه ظلت بدائية وقاصرة عن مجاراة الزراعة الحديثة والمتطورة، ولعب ضعف الاقتصاد، وواردات الدولة البسيطة دورا في هذه المسألة.
تطوير الزراعة
أخذ الملك عبد العزيز يهتم تدريجيا بأمر المياه والزراعة، فاستقدم الخبراء الزراعيين والجيولوجيين من أجل تطوير الزراعة في البلاد والبحث عن مواطن المياه فيها، خاصة بعد اكتشاف النفط وتصديره؛ مما ساهم في ازدياد حجم الميزانية السعودية، خاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فوصلت إلى البلاد بعثات زراعية من العراق ومصر وسوريا، ووصلت بعثة أمريكية في عام 1361هـ، 1942م، قامت بدراسة واسعة لمعرفة حجم الأراضي الزراعية في المملكة، ومدى قابليتها للزراعة، ونوع المزروعات التي تلائمها، وقد وجدت البعثة في البلاد السعودية أرضا زراعية واسعة، ومياها ذات مخزون كبير، خاصة المياه المتوافرة في الواحات.
مشروعات السدود
من المشاريع التي أولتها الدولة الحديثة عنايتها لتوفير المياه للزراعة ومنها سد جباجب في الطائف.
وقد أنشأ الملك عبد العزيز جهازا إداريا خاصا بالزراعة سمي بمديرية الزراعة في رجب عام 1367هـ، أبريل 1948م، وكان مركزها مدينة جدة، وقد تولاها محمد صالح القزاز، وقامت هذه المديرية بواجباتها ضمن اختصاصاتها، فاستوردت آلات الري والزراعة، وآلات الحفر الخاصة بالآبار الارتوازية، والجرارات الخاصة بالحرث، واستوردت كذلك بعض الأشجار، وعندما تطورت الزراعة تدريجيا في المملكة، أصبح من الضروري إنشاء وزارة زراعة، وقد أنشئت تلك الوزارة بعد حوالي شهر واحد من وفاة الملك عبد العزيز، وكان ذلك في عام 1373هـ، 24 ديسمبر 1953م، وعين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، أول وزير لها في 18 ربيع الثاني عام 1373هـ، 24 ديسمبر 1953م.
نمو الإنتاج الزراعي
تشير الإحصاءات إلى أن نمو الإنتاج الزراعي في المملكة حقق معدلا مرتفعا نسبيا بلغ 10% في الفترة بين 1962 - 1970م، بفضل دخل الدولة المتزايد الذي انعكس على المشروعات الزراعية في المياه، وانعكس كذلك على دخل الفرد السعودي. ظلت الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الزراعة تعمل على وضع سياسة زراعية بعيدة المدى، بعد أن أوكلت الدولة لتلك الوزارة مهمة تنمية موارد الأراضي ومصادر المياه في المملكة؛ فقامت الوزارة باستقدام خبراء المسح الزراعي والمائي، وتعاونت مع خبراء منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) واهتمت الوزارة أيضا بمشروعات التوسع الزراعي الحديث المتطور الذي يعتمد إلى حد كبير على أساليب التقنية الحديثة، فوفرت مياه الري، وتوسعت في تنويع المحاصيل الزراعية من الخضراوات والحبوب والفواكه والأعلاف، واهتمت بتطوير زراعة النخيل؛ مما أسهم في ازدياد معدل إنتاج التمور. ونهجت الدولة السعودية سبلا أسهمت في رفع الإنتاج الزراعي كمشروعات توزيع الأراضي البور الصالحة للزراعة، ومشروعات استخدام الآلات الزراعية الحديثة، ومشروعات مساعدة المزارعين ومدهم بالآلات الزراعية، وحفر الآبار، والبذور الزراعية، وشراء القمح من المزارع السعودي، وغيرها من المشروعات الحكومية التي تعمل على تطوير العمل الزراعي والإنتاج الزراعي.
حلُّ مشكلةِ المياهِ
حل مشكلة المياه
مما لا شك فيه أن أخصب بلاد المملكة وأغزرها أمطارا هي بلاد عسير، وهناك واحات خصبة، تتوافر فيها مياه العيون والآبار، كالأحساء، والخرج، والأفلاج، والقصيم وغيرها، ويأتي الحجاز في قائمة المناطق الأولى التي تقل فيها المياه، فتوجد في مكة عين زبيدة، يسقى منها سكان مكة والحجاج والمعتمرون، وأما جدة فمياهها قليلة جدا، وقد مدت الدولة العثمانية الأنابيب لجلب المياه من عين الوزيرية شرقي جدة، واستوردت الدولة العثمانية كذلك آلة تقطير، واشترت الحكومة السعودية في عهد الملك عبد العزيز آلة تقطير أخرى، وظل الوضع في جدة كذلك إلى أن مدت الحكومة السعودية أنابيب مياه جلبت الماء العذب النقي في عام 1367هـ، 1947م، وقد جاءت به الدولة السعودية من عيون وادي فاطمة، وسمي المشروع بمشروع عين العزيزية نسبة إلى الملك عبد العزيز، وقد تكلف هذا المشروع حوالي ستة ملايين ريال، أخذت المياه الواردة إلى جدة تزداد شيئا فشيئا، وأنشئ خزان ماء كبير قرب مدينة جدة يسع مليون جالون من الماء.
ويسقى أهل المدينة المنورة من عين الزرقاء. وجلب الماء إلى مدينة الرياض من وادي الباطن، ومن السويدي ثم من الحائر، وحفرت الآبار الارتوازية الجديدة، وقد تم كل ذلك في عهد الملك عبد العزيز آل سعود.
تحلية مياه البحر
اهتمت الحكومة السعودية لاحقا بأمر تحلية مياه البحر في المنطقتين: الشرقية والغربية، فأقامت محطة تحلية في جدة، تنتج خمسة ملايين جالون من المياه يوميا وهي قابلة للزيادة، بالإضافة إلى خمسين ألف كيلوواط من الطاقة الكهربائية، وأقامت محطة للتحلية في مدينة الوجه وأخرى في ضبا الواقعتين على البحر الأحمر، تنتج كل واحدة منهما ستين ألف جالون من الماء يوميا، وأقامت محطة تحلية في الخفجي تنتج مائة وعشرين ألف جالون يوميا. ويوجد في مدينة الخبر محطة تحلية تنتج سبعة ملايين ونصف المليون جالون من الماء يوميا، أضف إلى هذا كله ما تنتجه محطة الجبيل من مياه محلاة.
وتنتج هذه المحطات طاقات كهربائية هائلة؛ وبناء عليه فإن التحلية يمكن أن تكون في المستقبل المصدر الرئيسي للمياه بالنسبة للمدن والمنشآت الصناعية على الساحلين: الشرقي والغربي للمملكة.
التنمية الصناعية والتعدين
منح الله سبحانه وتعالى البلاد السعودية معادن كثيرة ومتنوعة، كالذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والرصاص، والزنك، والكروم، والماغنسيوم، والفلورايت، والفوسفات، والجبس، والملح الصخري، ومواد الإسمنت التي تتكون من الكلس والسيلكا والألومنيا والصلصال والرمل الزجاجي والكبريت والأسبستوس والرخام والنفط والغاز الطبيعي، ويأتي النفط في مقدمتها كمية وقيمة.
الصناعات اليدوية
ومن المعروف أن البلاد السعودية ظلت تقوم بالصناعات اليدوية لسد حاجة الاستهلاك المحلي من منسوجات المشالح والبسط والسجاد، وصناعة الأواني الفخارية وعمل طواحين الغلال الحجرية، وصناعة السلال والمراوح والأقفاص والحبال، وصناعة الخشب، وصناعة الحلي وصناعات الجلود ودباغة وصناعة الأحذية والقرب، وصناعة الأدوات الحديدية وغير ذلك من الصناعات اليدوية القديمة.
النفط السعودي
ظلت الصناعات القديمة المتوارثة في البلاد السعودية حتى اكتشاف النفط، وبعد اكتشافه بفترة ليست بطويلة؛ فقد وفر النفط للمملكة العربية السعودية عوائد مالية ضخمة رفعت من مستوى القوة الشرائية للسكان، ووفرت العملات الأجنبية للدولة، فزاد مستوى الاستيراد من السلع الأجنبية؛ مما ساعد على قيام نوع من التحدي الوطني في مجال الصناعات المحلية، فتشجع عدد من الأغنياء والممولين السعوديين ففتحوا المصانع بعد أن استقدموا الآلات والخبرة من الخارج، وظهرت بذلك الحركة الصناعية الوطنية منذ منتصف القرن العشرين الميلادي، وأخذت تلك الصناعات تنمو وتزدهر تدريجيا، آخذة في الازدياد والتنوع لسد حاجة السوق المحلي بعد ازدياد الطلب على السلع الاستهلاكية؛ بسبب ارتفاع دخل الفرد.
وقد تطورت الصناعات المحلية وأصبح في مقدورها منافسة الصناعات الخارجية. وظهرت صناعات متطورة في المملكة كصناعة الألبان، وطحن الغلال والبن، وصنع المشروبات الغازية والثلج، وصنع الأثاث الخشبي والمعدني، وصنع البلاط والسيراميك والرخام والجرانيت وأنابيب الإسمنت والأدوات الصحية والنحاسية، وأعمال الميكانيكا والخراطة والحدادة، وصياغة الذهب والفضة وغيرها.
نظام حماية الصناعات الوطنية
في عام 1384هـ، 1964م صدر في المملكة نظام حماية الصناعات الوطنية وتشجيعها الذي يقضي بتقديم الحماية والتشجيع والحوافز لرجال الأعمال السعوديين على الاستثمار في المشروعات الصناعية، ودعم المشروعات الصناعية القائمة وقتذاك.
وقدمت الدولة القروض من دون فوائد لرجال الأعمال المستثمرين السعوديين عن طريق صندوق التنمية الصناعية، وإعفاء الآلات الصناعية المستوردة من الرسوم الجمركية، وتخفيض سعر الكهرباء والماء، وتأجير الأراضي التي تقام عليها المصانع بأسعار رمزية؛ فزادت المشروعات الصناعية زيادة كبيرة، وقد اهتمت الدولة بالمشروعات الصناعية ذات القطاع الخاص من أجل تنويع مصادر الدخل الوطني، وتخفيف الاعتماد على النفط وصناعته كمصدر أساسي للدخل الوطني السعودي.
الاستثمار الأجنبي
شجعت الدولة رأس المال الأجنبي للاستثمار في داخل المملكة، وصدر نظام الاستثمار الأجنبي في عام 1384هـ، 1964م، وذلك بإعطاء رأس المال الأجنبي المزايا التي يتمتع بها رأس المال الوطني، وإعفائه من الضرائب مدة خمس سنوات إذا ساهم فيه رأس المال الوطني بنسبة 25% من رأس المال الكلي.
الصناعات الوطنية
شهدت المملكة خلال الخطة الخمسية الثانية 1395 - 1400هـ، 1975 - 1980م نشاطا كبيرا في مجال الصناعات الوطنية، وازدياد عدد الشركات الوطنية، وازدياد تدفق رأس المال الأجنبي، وازدياد العاملين في نطاق الصناعة والتصنيع، وازدياد كميات السلع المنتجة محليا، وازدياد الإقبال على شراء السلع الوطنية التي أخذت تنافس السلع الخارجية المستوردة، وظلت الصناعة في المملكة تتوسع بشكل كبير.
وأهم الصناعات الحالية في المملكة هي: صناعة توليد الطاقة الكهربائية، وصناعة الإسمنت، وصناعة تحلية مياه البحر، وصناعة الحديد والصلب، وصناعة النفط كتكرير الزيت، وتصنيع جميع المنتجات النفطية المتعددة والمتنوعة، وصناعة المعادن، وصناعة الأسمدة، وصناعة المنتجات الغذائية، والصناعات الكيميائية.
وأصبحت صناعات المملكة في مجالات المواد الاستهلاكية والنفطية تسد حاجة السوق المحلي وتصدر إلى الخارج.
ويمكن القول إن الصناعة في المملكة العربية السعودية أخذت تتطور تدريجيا من صناعة يدوية تقليدية متوارثة إلى صناعة حديثة متقدمة ومتطورة.
وقد اتضح هذا التطور من خلال ما وصلت إليه الصناعة المحلية في فترات الخطط الخمسية المتعاقبة، إذ أن الخطة الخمسية الأولى بدأت بعام 1390 - 1391، 1395- 1396هـ (1970 - 1975م).
الطُّرقُ ووسائلُ النقلِ الحديثةِ
الطرق ووسائل النقل الحديثة
كانت الطرق في البلاد السعودية، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، طرقا قديمة وليست معبدة، وتعد الطرق التي أنشأتها أرامكو هي أول طرق معبدة وحديثة في البلاد السعودية، إذ عبدت الشركة طرقا في المنطقة الشرقية بين مراكز الشركة الإدارية ومراكز العمل النفطي بين الظهران والدمام والخبر وأبقيق وبين آبار الزيت وحقوله المختلفة.
تعبيد الطرق
في مطلع السبعينات من القرن الرابع عشر الهجري (الخمسينات من القرن العشرين الميلادي) بدأت الحكومة السعودية تعمل على تعبيد الطرق في المنطقة الشرقية والوسطى والغربية، خاصة طرق الحج.
واستمرت الدولة في شق الطرق المعبدة بين المدن الرئيسية، ثم بينها وبين البلدان والقرى، علما بأن الطرق المعبدة تساهم بقدر كبير في نمو الحركة الاقتصادية والحضارية في البلاد.
وقد تطورت المواصلات البرية وطرقها كثيرا في البلاد السعودية على مدى الخطط الخمسية المطبقة في المملكة العربية السعودية، وأصبحت مدن المملكة وبلدانها وقراها ترتبط معا بشبكة مواصلات برية عظيمة، وعمت البلاد الطرق المعبدة الواسعة والجسور والأنفاق.
وارتبطت مع البلاد العربية بشبكة مواصلات برية سهلة وممتازة.
السكك الحديدية بالسعودية
في ذي القعدة عام 1366هـ، 1947م بدأ العمل بمد خط سكة حديد يربط بين مدينة الدمام وأبقيق عن طريق الظهران، ووصل الخط الحديدي إلى مدينة الهفوف في عام 1369هـ، 1949م، ثم مد الخط إلى حرض في العام نفسه، ثم إلى الخرج في عام 1370هـ، 1950م، ثم وصل إلى الرياض في عام 1371هـ، 1952م، وهو الخط الحديدي الوحيد في المملكة العربية السعودية، ويستخدم لنقل الركاب والبضائع.
النقل الجوي
توجد مطارات دولية كمطار الملك خالد الدولي، ومطار الملك عبد العزيز الدولي، ومطار الظهران الدولي. بالإضافة إلى عدد كبير من المطارات المحلية الموزعة على مدن المملكة، وحركة النقل الجوي في المملكة حركة دؤوبة.
ظاهرة الأمن في المملكة: إن ظاهرة الأمن في البلاد العربية السعودية ظاهرة فريدة ومميزة، فالأمن في السعودية كان وما زال مضرب المثل، وقد استطاع الملك عبد العزيز أن يرسي قواعد الأمن لا في الحضر فقط، وإنما في البادية أيضا، وظل الأمن الذي أرسى دعائمه الملك عبد العزيز مستتبا في ظل الحكومات السعودية التي تعاقبت على الحكم من بعده، وقد تطورت أجهزة الأمن تطورا عظيما في ظل وزارة الداخلية السعودية، فاطمأن المواطن والمقيم، وسهرت إدارات الأمن العام، والدفاع المدني، والمرور والنجدة، وسلاح الحدود على راحة الأهالي وأمنهم وسلامتهم.
وقد تطورت تلك الأجهزة الأمنية، وتطور معها رجل الأمن من خلال التدريب الجيد، والدراسات ذات الصلة بالأمن، ومن خلال فتح المؤسسات الأمنية والكليات المختصة مثل كلية الملك فهد الأمنية، والمعاهد ذات الاختصاص بشئون الأمن وغيرها.
القوات المسلحة السعودية
لقد تطورت أجهزة الدفاع البري والجوي والبحري في ظل وزارة الدفاع والطيران، وأصبح الجندي السعودي مدربا تدريبا جيدا على أساليب القتال، وعلى الأسلحة الحديثة والمتطورة، وقامت وزارة الدفاع والطيران السعودية بفتح عدد كبير من المدارس الحربية والكليات العسكرية البرية والجوية والبحرية، مثل كلية الملك عبد العزيز الحربية، وكلية الملك فيصل الجوية، بالإضافة إلى البعثات العسكرية التي ترسلها وزارة الدفاع والطيران إلى أنحاء العالم لتدريب أفراد القوات العربية السعودية في مجالات العسكرية المختلفة، كما أنشأت الوزارة عددا كبيرا من المستشفيات العسكرية لعلاج أفراد القوات العربية السعودية.
المملكة في المؤسسات الدولية
المملكة العربية السعودية عضو في جامعة الدول العربية منذ قيامها في عام 1364هـ، 1945م، وهي عضو في هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيسها في عام 1364هـ، 1945م، وهي عضو أيضا في منظمة المؤتمر الإسلامي وفي أغلب المؤسسات الدولية ذات الأغراض الإنسانية، وهي عضو في الأوبك والأوابك، وتساهم المملكة بقدر كبير في المجالات الدولية، وفي القضايا المعاصرة خاصة في القضايا الإسلامية منها، كالقضية الفلسطينية، والقضية الأفغانية، وقضايا المسلمين في المناطق التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي (السابق)، وقضية البوسنة والهرسك، وقضايا المسلمين في كل مكان، والمملكة عضو أساسي في رابطة العالم الإسلامي، وهي التي تحتضن مؤسساتها وترعاها وتدعمها بالمال والرعاية والاهتمام.
المعالِمُ الجغرافيةُ
السّطحُ
تضاريس المملكة
تقع المملكة العربية السعودية في الجنوب الغربي من قارة آسيا ممتدة على مساحة تبلغ 2.000.000كم² تقريبا، وهو ما يعادل نحو أربعة أخماس مساحة شبه الجزيرة العربية تقريبا، ويحدها من الغرب البحر الأحمر ومن الشمال المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العراقية، ودولة الكويت، ومن الشرق الخليج العربي ودولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، ومن الجنوب الجمهورية اليمنية، ويبلغ طول حدود المملكة العربية السعودية من جميع الجهات 6760كم منها 4430كم حدودا برية و 2330 كم حدودا بحرية.
تعدد الأشكال التضاريسية بالمملكة
يغلب الجفاف على أراضي البلاد الخالية من الأنهار أو المجاري المائية الدائمة، وبالرغم من أن الوديان الجافة المنتشرة في معظم الأنحاء تفيض بالمياه بعد العواصف المطيرة، إلا أن القيمة الفعلية للمياه ضعيفة؛ إما بسبب التبخر وإما بسبب التسرب إلى باطن الأرض.
وتشكل الأراضي السعودية متحفا جغرافيا يشتمل على العديد من الأشكال التضاريسية من جبال وهضاب ومخاريط وحرات بركانية وأودية عميقة وسهول ساحلية منخفضة وعروق رملية وجزر مرجانية.
وتتكون تلك الظواهر الطبيعية من أغلب الصخور المعروفة.
جبال الحجاز وعسير
وهي تتكون من الصخور النارية القديمة أو المتحولة وتغطيها في بعض أجزائها الحرات البركانية، وتمتد بمحاذاة البحر الأحمر والسهل الساحلي بطول يبلغ 1700كم من خليج العقبة والحدود مع الأردن شمالا إلى الحدود مع اليمن جنوبا، كما أنها تنحدر بشدة نحو الغرب وبشكل تدريجي نحو الشرق، وتضيق في الشمال، لكنها تتسع نحو الجنوب بعرض يتراوح ما بين 40 و240كم، وتتميز هذه الجبال بأنها تسير في سلاسل متوازية وتحمل أسماء عدة، حيث يعرف الجزء الشمالي منها بجبال الحجاز؛ لأنها تحجز بين السهل الساحلي وداخل شبه الجزيرة العربية، ويسمى الجزء الجنوبي منها بجبال عسير؛ لعسر اجتيازها وشدة وعورتها، وتعرف نطاقاتها المرتفعة باسم جبال السروات أو سراة عسير، حيث ترتفع أعلى قمة في البلاد في جبل «السودة» بالقرب من مدينة «أبها» إلى 3133 مترا فوق مستوى سطح البحر، ويهبط من جبال عسير والحجاز مئات الأودية أشهرها أودية نجران وجازان وبيشة وفاطمة والعقيق والرمة، ومنها ما يصرف مياهه نحو البحر ومنها ما تتدفق مياهه نحو الداخل، وتتصف أحواض هذه الأودية بأنها مراكز أساسية للنشاط الزراعي؛ لأن السيول التي تجري فيها تحمل كميات كبيرة من الطمي.
هضبة نجد
تحتل هضبة نجد وسط البلاد، وتمتد على مساحة تبلغ 480 ألف كم²، ويتكون القسم الغربي من الصخور المتبلورة والمتحولة، ويضم جبل شمر الذي يرتفع إلى أكثر من 1300 متر فوق مستوى سطح البحر، ويتكون من نتوءين صخريين متجهين من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي وبينهما سهل خصب وفير المياه عرضه 70كم تقع فيه مدينة حائل.
أما القسم الشرقي وهو الأكثر أهمية، فيتكون من صخور رسوبية ورملية وجيرية تحوي طبقات حاوية للمياه الجوفية تروي أراضي زراعية هامة في مناطق القصيم وسدير والوشم والعارض والخرج والأفلاج وغيرها. وتعد جبال طويق في هذا القسم، العمود الفقري لهضبة نجد وأبرز ظاهرة تضاريسية بها، وهي جبال جدارية تعد من أطول الضلوع الصخرية المتصلة على سطح الأرض «الكويستا» حيث يصل طولها إلى 1100كم تمتد من الشمال إلى الجنوب، ويشق هضبة نجد العديد من الأودية تزيد أطوال بعضها على مئات الكيلومترات أشهرها أودية: حنيفة والباطن والسرحان.
وإلى الشرق من هضبة نجد تمتد مجموعة من الهضاب أهمها هضبة الدبدبة الحصوية وهضبة الصمان المتكونة من الحجر الرملي والصلصال.
الصحارِي الرّمليةُ
الصحاري الرملية
تغطي الرمال مساحات شاسعة من البلاد؛ ويعود ذلك إلى نشاط عوامل النحت والتعرية والترسيب التي فتتت الصخور اللينة وكونت أراضي منخفضة على هيئة أحواض مملؤة بالرواسب الرملية، ومن أهم الصحاري الرملية ما يلي:
الربع الخالي: حوض واسع منخفض يعد من أكبر الصحاري الرملية المتصلة على الأرض إذ تبلغ مساحته 640 ألف كم² تمتد من مرتفعات الحجاز وعسير غربا وحتى مرتفعات عمان شرقا، ومن هضبة نجد شمالا حتى الحدود مع اليمن جنوبا، وعلى الرغم من قسوة البيئة الطبيعية في هذه المنطقة وخلوها من النشاط البشري، إلا أنها تزخر بثروات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي والمعادن المشعة والرمال الزجاجية والطاقة الشمسية، وهي لم تعد خالية كما يوحي اسمها بذلك؛ إذ تنتشر فيها مراكز ومحطات شركة النفط الوطنية وتجوب الطائرات والسيارات سماءها وأرضها منقبة عن مدخراتها المعدنية.
صحراء الدهناء
لسان صحراوي يمتد من الربع الخالي ويحيط بهضبة نجد من الشرق متجها نحو الشمال ويبلغ طوله 1200كم ويتراوح اتساعه ما بين 25 - 80كم، وتتكون الدهناء من كثبان رملية حمراء اللون متوازية تقع بينها فواصل صخرية.
صحراء النفود الكبير
تقع شمالي البلاد، وتبلغ مساحتها 56،320كم²، وهي عبارة عن مجوف واسع مملوء بالرمال ومحصور بين مناطق صخرية صلبة هي مناطق الهضاب، وتتميز هذه الصحراء بكثبان رملية طولية حمراء اللون تعرف بالعروق.
وكان يعبر الجزء الشرقي منها طريق الحج الشهير بدرب زبيدة الرابط بين العراق والحجاز.
السهل الساحلي الشرقي
يبلغ طول السهل الساحلي السعودي على الخليج العربي نحو 500كم ويبلغ معدل عرضه 60كم، ويتميز بأنه منخفض ولا يرتفع كثيرا عن مستوى سطح البحر؛ ولذلك تكثر فيه السبخات والأراضي الملحية والتلال الرملية، وتتسم المياه المجاورة لساحل الخليج بأنها ضحلة، وهو الأمر الذي أدى إلى بروز الخلجان والرءوس وتكون الشعاب المرجانية، وإلى غناها بالسمك واللؤلؤ اللذين شكلا مورد الرزق لسكان الإقليم قرونا عديدة، إلا أن هذه المنطقة اكتسبت ميزة استراتيجية اقتصادية كبيرة بعد اكتشاف النفط؛ إذ تحوي حقولها النفطية البحرية والبرية واحدا من أضخم احتياطات النفط المعروفة في العالم، ويلي السهل الساحلي باتجاه الداخل سهول الأحساء المتكونة من الرمال والحصى الغنية بمياه العيون والآبار التي تروي مساحات زراعية هامة.
المناخُ
المناخ السعودي
ينتمي مناخ المملكة العربية السعودية بشكل عام إلى إقليم المناخ الصحراوي المتسم بالجفاف الشديد وندرة الأمطار، إلا أنه نظرا لاتساع مساحة البلاد وتعدد الأشكال التضاريسية فيها فإن لها خصائصها المناخية التفصيلية، ففي فصل الصيف ترتفع درجات الحرارة؛ بسبب القرب من خط الاستواء وشدة التعرض لأشعة الشمس التي تصل بشكل شبه عمودي، ولكن مع تسجيل فروق إقليمية؛ إذ يبلغ متوسط الحرارة الكبرى في شهر يوليو في المناطق الجبلية العالية 26°م، ويرتفع في المناطق الساحلية حيث تقترن الحرارة بالرطوبة إلى 37°م ويصل إلى الذروة 49°م في هضبة نجد وسائر المناطق الداخلية حيث يكون الهواء جافا والليالي باردة نسبيا، وتعتدل درجات الحرارة في فصل الشتاء، لكنها قد تنخفض في شهر يناير إلى ما دون درجة التجمد في أجزاء واسعة من وسط البلاد وشماليها.
الأمطار
قليلة جدا لكنها تختلف في كمياتها وتوزيعها وخصائصها، وتسقط الأمطار في فصل الشتاء بكميات تتراوح ما بين 15 - 200ملم في معظم أنحاء البلاد باستثناء إقليم المرتفعات الجنوبية الغربية الذي يستقبل أمطارا غزيرة في فصل الصيف تتراوح ما بين 200 - 500ملم، وتتصف الأمطار بأنها تنهمر فجأة ثم تنقطع بعد وقت قصير، كما أنها قد تسقط بكميات كبيرة في عام ثم تتوقف تماما في العام التالي أو الأعوام التالية أو العكس، وتتعرض البلاد للعواصف الرملية والترابية في أواخر فصل الربيع وخلال فصل الصيف؛ نظرا لشدة هبوب الرياح بفعل انخفاضات الضغط الجوي، ويساعد على شدة تأثير تلك العواصف انتشار الرمال والتربة الجافة المفككة على نطاق واسع.
الاقتصادُ
انتعاشُ الاقتصادِ
النفط والاقتصاد السعودي
شهد الاقتصاد السعودي تطورا تاريخيا قبيل أواسط عقد السبعينات من القرن العشرين؛ نتيجة لتضاعف إنتاج النفط وعوائده؛ إذ ازدادت الكميات المنتجة من الزيت الخام من 3.8 مليون برميل يوميا في عام 1390هـ، 1970م لتصل إلى الذروة بمعدل 9.5 مليون برميل يوميا في عام 1399هـ، 1979م، ثم تأرجح الإنتاج هبوطا وصعودا في السنوات التالية ليبلغ 6.4 مليون برميل في عام 1411هـ، 1990م، ووصل إلى نحو 5.8 مليون برميل يوميا في عام 2000م.
والسعودية عضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
نمو الاقتصاد السعودي
أدى هذا التطور إلى نمو سريع جدا للاقتصاد الوطني، ولعل أبلغ مؤشر على ذلك هو تضاعف الناتج الوطني الإجمالي أكثر من 33 مرة في 28 عاما، إذ قفزت قيمة السلع والخدمات التي أنتجتها البلاد من 4.4 بليون دولار أمريكي في عام 1389هـ، 1969م إلى نحو 248 بليون دولار في عام 1420/ 1421هـ، 2000م، الأمر الذي مكن البلاد من تبني وتنفيذ خطط تنمية خمسية طموحة منذ عام 1390هـ، 1970م ركزت في توجهاتها الرئيسية على إنشاء البنيات الأساسية، وتنمية القوى البشرية وتنويع روافد الاقتصاد غير النفطي، وذلك بتطوير القطاعات الإنتاجية الأخرى كالصناعة والتعدين والزراعة.
المصادر الطبيعية السعودية
يعد النفط والغاز الطبيعي من أهم المصادر الطبيعية في البلاد؛ إذ تملك منهما ثروة ضخمة يبلغ احتياطيها الثابت من النفط 260.5 بليون برميل ومن الغاز الطبيعي 180.5 تريليون قدم مكعب قياسي حتى عام 1411هـ، 1990م، إلى جانب ذلك توجد ثروة معدنية متنوعة فقد تم الكشف عن 4200 مكمن معدني شملت الذهب (باحتياطي يبلغ 9.5 مليون طن تتراوح فيها نسبة ركائز الذهب من 2.5 - 27 جرام / طن) والفضة والنحاس والزنك والرصاص والحديد والألومونيوم والمعادن النادرة واليورانيوم والمعادن الصناعية والفوسفات والفحم الحجري والمواد الأولية للبناء.
الصناعةُ
الصناعة السعودية
يتكون هيكل الإنتاج الصناعي في المملكة العربية السعودية من وحدتين رئيسيتين هما: الصناعات الأساسية (أو الثقيلة)، والصناعات التحويلية (أو المتوسطة).
الصناعات الأساسية: تعتمد في معظمها على النفط لتوفير المواد الخام، ويقوم بتمويلها وتشغيلها القطاع العام؛ نظرا لضخامة حجم استثماراتها وتقنيتها المتطورة واستهلاكها المكثف للطاقة، وتتمثل تلك الصناعات في إنتاج مصافي تكرير النفط، والبالغ 652 مليون برميل سنويا، وفي الصناعات البتروكيميائية إلى جانب صناعة المعادن الثقيلة والتي بلغ إنتاجها 14 مليون طن في عام 1411هـ، 1990م.
الصناعات التحويلية السعودية
إن سياسة المملكة العربية السعودية نحو الصناعات التحويلية تتمثل في مئات العمليات الصناعية والصناعات المساندة في الجبيل وينبع.
وتتكون الصناعات التحويلية من سلسلة متنوعة من الصناعات كالمواد الغذائية ومواد البناء والصناعات الكيميائية والمعدنية المختلفة، ويملك هذه الصناعات ويديرها القطاع الخاص الذي يحصل من الدولة على عدة حوافز مالية وتشجيعية، كتقديم القروض الصناعية طويلة الأجل دون فوائد، وتأجير الأراضي للمصانع وسكن العمال في المناطق الصناعية المجهزة بكامل المرافق والخدمات بأسعار رمزية، وإعطاء الأفضلية للمنتجات الوطنية عند الشراء لمؤسسات الدولة والإعفاء الكامل من أنواع الضرائب كافة ما عدا الزكاة الإسلامية التي تحسب بواقع 2.5% من رأس المال إذا حال عليه الحول (أي مر عليه عام كامل).
وقد بلغ عدد المصانع المنتجة في قطاع الصناعات التحويلية 2300 مصنع تستثمر نحو 26 بليون دولار أمريكي وتشغل 150 ألف موظف وعامل، وقد حققت الصادرات الصناعية (دون منتجات النفط) 3.3 بليون دولار أمريكي توزعت بين المنتجات البتروكيميائية والمعدنية 77% والمنتجات التحويلية الأخرى 23% في عام 1411هـ، 1990م.
الزراعةُ
التنمية الزراعية
حققت التنمية الزراعية في المملكة العربية السعودية تطورا كبيرا في فترة وجيزة بالرغم من المعوقات العديدة كقلة الأمطار ومحدودية المياه الجوفية، وضآلة الأيدي العاملة الزراعية الوطنية، وتناثر الأراضي الزراعية بين الكثبان الرملية والهضاب الصحراوية والمرتفعات والأودية، إلا أن جهودا حثيثة قد بذلت لإنعاش القطاع الزراعي كتوزيع الأراضي البور مجانا على المستثمرين الزراعيين، وتقديم القروض الزراعية طويلة الأجل دون فوائد، وشراء الدولة للمحاصيل الاستراتيجية خاصة الحبوب من المزارعين بأسعار عالية وغير ذلك؛ كل هذه جهود نقلت البلاد من مرحلة استيراد معظم احتياجاتها الغذائية إلى مرحلتي الاكتفاء الذاتي والتصدير الخارجي في بعض أنواع السلع الغذائية كالقمح، فقد بلغ إنتاجها من القمح في عام 1991م نحو 3.8 مليون طن بعد أن كان لا يتجاوز 3.000 طن في عام 1970م.
وتضاعفت المساحة المزروعة نحو أربع مرات خلال 17 عاما فازدادت من 385 ألف هكتار في عام 1393هـ، 1973م إلى نحو 1.4 مليون هكتار في عام 1411هـ،1990م موزعة على الحبوب 73% والخضراوات والفواكه والأعلاف 27%.
المساحة المزروعة
تتركز أكثر من نصف المساحة المزروعة (57%) في المنطقة الوسطى بإمارتي الرياض والقصيم، تليها المنطقة الجنوبية الغربية (19%) في إمارات جازان وعسير ونجران والباحة، ثم المنطقة الشمالية (13%) في إمارات حائل وتبوك والجوف وتتوزع باقي المساحة المزروعة (11%) على المنطقتين الغربية والشرقية على الترتيب.
وبلغت الصادرات من السلع الغذائية كالقمح والتمور والبيض ولحوم الدواجن والألبان وبعض الخضراوات ما يقارب مليوني طن في عام 1411هـ، 1990م.
الثروة الحيوانية السعودية
تتعدد عناصر الثروة الحيوانية في البلاد، حيث قدرت أعداد كل من الضأن 7.8 مليون رأس، والماعز نحو 4.4 مليون رأس، والإبل 422 ألف رأس، والأبقار نحو 204 ألف رأس. وقد تأسست صناعة نشطة لصيد الأسماك، وبلغت كميات الصيد المحلي نحو 49.920 طنا، تم تصدير ما يقرب من نصفها إلى الخارج في عام 1415هـ، 1994م.
النقلُ وَالمواصلاتُ
النقل والمواصلات السعودية
تتمتع المملكة العربية السعودية بشبكة نقل ومواصلات عصرية، فيربط بين أجزاء البلاد شبكة من الطرق المعبدة يبلغ مجموع أطوالها 67.893كم (منها 4479كم من الطرق المزدوجة والسريعة) إضافة لنحو 91.107كم من الطرق الزراعية حتى عام 1416هـ، 1995م.
وتملك البلاد 23 ميناء بحريا متعددة الوظائف (من تجارية، وصناعية، وشحن النفط، وصيد الأسماك) أهمها: موانئ جدة وينبع وجازان على ساحل البحر الأحمر والدمام والجبيل على ساحل الخليج العربي.
الطيران السعودي
نظرا لاتساع مساحة البلاد فإن الطيران يعد وسيلة نقل حيوية، وتعتبر شركة الطيران الوطنية (أو الخطوط السعودية)، من أكبر الشركات في الشرق الأوسط؛ إذ يتكون أسطولها الجوي من 110 طائرات تخدم 70 مطارا وطنيا (من بينها ثلاثة مطارات دولية كبرى في الرياض وجدة والظهران و25 مطارا برحلات مجدولة) و46 مطارا خارجيا في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
السكك الحديدية السعودية
ما تزال الخطوط الحديدية (390.1كم في عام 1993م) ذات طابع إقليمي حيث تنطلق أربعة قطارات للركاب والسلع يوميا بين العاصمة الرياض ومدن وموانئ المنطقة الشرقية.
وسائل الاتصالات
تغطي الشبكة الهاتفية معظم أنحاء البلاد، وتستطيع مئات المدن والقرى السعودية الاتصال مباشرة بأكثر من 200 دولة في العالم.
وتصدر في المملكة العربية السعودية ثلاث عشرة صحيفة يومية، عشرة منها باللغة العربية وثلاث باللغة الإنجليزية، كما تمتلك المملكة ثلاث قنوات للتلفاز ومحطات إرسال واستقبال للأقمار الصناعية، وتشترك المملكة في القمر الصناعي العربي «عربسات».
التجارة الخارجية السعودية
بلغت صادرات المملكة العربية السعودية في عام 1417هـ، 1996م نحو 56.5 بليون دولار أمريكي، شكل النفط تسعة أعشار قيمة هذه الصادرات، ويتجه 39% من النفط السعودي إلى أسواق آسيا والشرق الأقصى، و27% إلى أمريكا الشمالية، و31% إلى أوروبا، وتتوزع البقية بين إفريقيا وأستراليا، ويتمثل العشر المتبقي في الصادرات غير النفطية، كالمنتجات الكيميائية، والبلاستيكية، والمعادن العادية، ومعدات النقل، والمواد الغذائية وغيرها.
وتتوزع بين الدول العربية 37%، وآسيا والشرق الأقصى 33% وأوروبا الغربية 20% وإفريقيا وأستراليا 10%.
وبلغت قيمة الواردات 27.7 بليون دولار أمريكي، يأتي معظمها من أسواق أوروبا 45%، وآسيا والشرق الأقصى 28%، وأمريكا الشمالية 17%.
وتتمثل أهم الواردات في الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية ومعدات المواصلات والمواد الغذائية والحديد ومصنوعاته والمنتجات الكيميائية والأقمشة والملابس والسيارات وأجزائها والذهب والحلي والمجوهرات.
عَلَمُ الدولةِ وشعارُهَا
عَلَمُ الدولةِ وَشعارُهَا


ألوان العلم السعودي
اللون الأخضر لون إسلامي ويحمل العلم نص الشهادتين ورسم السيف تحته، وهذا العلم الوحيد في العالم الذي يعتبر النص المكتوب عليه جزءا أصيلا، منه علما بأن العلم الأفغاني يحمل نص الشهادتين كذلك.
النشيدُ الوطنِيُّ
النّشيدُ الوطنِيُّ
النشيد الوطني السعودي
سارعي للمجد والعلياء
مجدي لخالق السماء
وارفعي الخفاق أخضر
يحمل النور المسطر
رددي الله أكبر ... يا موطني
موطني عشت فخر المسلمين
عاش الملك للعلم والوطن

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اليمن

بطاقةُ تعارفٍ نُبذةٌ عَنِ اليمنِ نظرة عامة عن اليمن الجمهورية اليمنية هو اسم الدولة، وعاصمتها صنعاء، والرئيس علي عبد الله صالح هو رئيس الدولة، والنظام الجمهوري هو نظام الحكم. وتقع اليمن في قارة آسيا يحدها البحر العربي، وخليج عدن من الجنوب، والبحر الأحمر من الغرب وعمان من الشرق والسعودية من الشمال. وتبلغ مساحتها 527.970 كيلو مترا مربعا. الثروات الطبيعية اليمنية هي البترول، والأسماك، والملح الصخري، والرخام، والذهب، والرصاص، والنيكل، والنحاس. ويبلغ عدد السكان 21.426.000 نسمة، والريال اليمني هو العملة الرسمية، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، وتبلغ نسبة المتعلمين 54%. سياسة اليمن استقلت اليمن في 22 مايو 1990م من الاحتلال البريطاني، واليوم الوطني هو 22 مايو. وفي 16 مايو 1991م تم إقرار الدستور. وقد تأسس مجلس النواب في عام 1969م. وفي عام 1975م انضمت للاتحاد البرلماني العربي، وفي عام 1975م انضمت للاتحاد البرلماني الدولي. السُّكانُ السكان عدد سكان اليمن بلغ عدد سكان اليمن وفق تقديرات عام 2006م، 21.426.000 نسمة يتوزعون في جهات اليمن المختلفة، حيث بلغت نس

الاردن

بطاقةُ تعارفٍ بطاقةُ التّعارفِ نبذة عامة عن الأردن المملكة الأردنية الهاشمية هو الاسم الكامل، والاسم المختصر هو الأردن، والعاصمة: عمان، وتاريخ الاستقلال: 25 / 5 / 1946م، وتاريخ الانضمام لمنظمة الأمم المتحدة في عام 1969م. معلومات هامة تقع الأردن في منطقة الشرق الأوسط، في شمال غرب السعودية، وتبلغ المساحة الإجمالية حوالي 89213 كم2، تبلغ مساحة اليابسة منها: 88884 كم2، ومساحة المياه: 329 كم2، وتبلغ نسبة الأراضي الصالحة للزراعة: 4%، ومساحة الأراضي المروية: 630 كم2. والمناخ: صحراوي جاف غالبا، موسمي ممطر في الغرب (من نوفمبر إلى إبريل)، والموارد الطبيعية: الفوسفات، والبوتاس، والزيت الحجري. لمحة عامة على الأردن تبلغ الكثافة السكانية حوالي 5.35 مليون نسمة وذلك حسب إحصائيات عام 2002م، ومساحة المملكة هي 89.210 ألف كيلومتر مربع، والعملة هي الدينار الأردني، ورمز المكالمات الدولي هو +962، وفارق التوقيت عن «جرينيتش» ساعتان، وحجم الدولة مقارنة بالعالم 0.0692% من حجم العالم، وحجم الدولة مقارنة بقارة آسيا 0.1842% من حجم القارة، والكثافة السكانية مقارنة بالعالم 0.0794% من تعداد