التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السودان

بطاقةُ تعارفٍ
نُبذةٌ عَنِ السودانِ
نبذة عامة عن السودان
اسم الدولة هو جمهورية السودان، والعاصمة هي الخرطوم، ورئيس الدولة: الرئيس عمر حسن البشير، ونظام الحكم: جمهوري، أما عن الموقع الجغرافي فالسودان تقع في شمال شرقي إفريقيا، وتطل على البحر الأحمر بين مصر وإريتريا، ومساحتها: 2505810 كيلو متر مربع.
الثروات الطبيعية السودانية
هي: البترول، والزنك، والفضة، والذهب، والحديد الخام، والنحاس، والكروم الخام، والمايكا، والتنجستين، والقوة الكهرومائية، والثروة الحيوانية، والمحصولات الزراعية (كالقطن والصمغ العربي)، وعدد السكان:34.512000 نسمة، والعملة: الدينار السوداني، واللغات: اللغة العربية هي اللغة الرسمية، واللغة الإنجليزية، وعدد من اللهجات المحلية، ونسبة المتعلمين: 1.46%.
الحياة السياسية السودانية
تاريخ الاستقلال: 1 يناير 1956م من الاحتلال الإنجليزي والمصري، واليوم الوطني: 1 يناير 1956م، وتاريخ إقرار الدستور: 1998م، واسم المجلس: المجلس الوطني السوداني، وتاريخ تأسيس المجلس: في عام 1953م، وعدد غرف المجلس: غرفة واحدة (المجلس الوطني)، وتاريخ الانضمام للاتحاد البرلماني العربي: 1974م، وتاريخ الانضمام للاتحاد البرلماني الدولي: 1955م.
السُّكانُ
السكانُ
سكان السودان
زاد عدد سكان السودان حسب التعدادات والتقديرات الأخيرة من 10 ملايين في عام 1956م إلى 14 مليونا في عام 1973م، ثم إلى 21 مليونا 1983م وأخيرا إلى 31.065.000 نسمة في عام 1996م؛ وهذا يعني أن السكان قد زادوا إلى ثلاثة أضعاف خلال 40 سنة، وتعتبر هذه زيادة كبيرة بكل المقاييس.
وبلغ عدد سكان السودان في العام 2004 حوالي 34 مليون نسمة بمعدل زيادة سنوية تبلغ 8و2 % منهم 68 % يعيشون بالريف و 29 % بالحضر و 3 % عرب رحل .
هنالك تباين بين سكان السودان حيث توجد ثلاثة سلالات رئيسية بالبلاد وهي العرب، والنوبيون والزنوج،ويتحدثون أكثر من 115 لهجة محلية.
وتظل الكثافة السكانية في السودان قاطبة ضئيلة؛ وذلك لكبر مساحة البلاد، فمتوسط الكثافة السكانية هو 4.13 شخصا/كم²، بينما تسجل ولاية الخرطوم وهي أصغر الولايات مساحة أعلى كثافة سكانية وهي 86 شخصا/كم².
وقد قدر عدد سكان السودان في بداية عام 2005م بحوالي (34.512000) نسمة بمعدل نمو 2.53% سنويا.
الكثافة السكانية في السودان
تحتل الولاية الوسطى المركز الثاني بعد الخرطوم من حيث الكثافة وهي 30/كم²، في حين تنخفض الكثافة السكانية في الولاية الشمالية إلى 4 أشخاص/كم².
وبصفة عامة، يتركز السكان في السودان حول محورين رئيسيين هما: وادي النيل والسهول الوسطى، حيث تكون كميات الأمطار ومياه النيل كافية للاستيطان والنشاط الزراعي.
وتقع معظم مشروعات السودان الإنتاجية ومدنه على هذين المحورين.
الهجرات الداخلية السودانية
نتيجة لعدم التوازن في التنمية الإقليمية، وبسبب مشكلات القحط والجفاف التي شهدتها البلاد خلال الثمانينات من القرن العشرين، بالإضافة إلى اندلاع الحرب الأهلية في جنوبي البلاد منذ عام 1983م، فقد انتظمت في البلاد هجرات داخلية كبيرة كان معظمها موجها نحو العاصمة القومية.
ويرى بعض المراقبين أن الهجرة من جنوبي السودان إلى العاصمة القومية كان مخططا لها سياسيا من جهات داخلية وخارجية؛ وذلك بهدف تغيير التركيبة الديمجرافية (أو السكانية) للعاصمة.
تزايد أعداد السكان في العاصمة
لقد ازدادت أعداد الجنوبيين في العاصمة من بضعة آلاف في عام 1983م، إلى أكثر من 1.5 مليون في عام 1990م، وقد أشارت بعض التقديرات إلى أن العدد وصل إلى مليوني مواطن في جنوبي حاضرة الخرطوم، وبالإضافة إلى ذلك فقد ظلت أعداد الوافدين من الدول المجاورة في تزايد مستمر؛ بسبب ظروف القحط والجفاف والحروب الأهلية المنتشرة في كل من إثيوبيا وتشاد وأوغندا.
الهجرة إلى العاصمة السودانية
يتوجه الوافدون غالبا إلى العاصمة القومية، وقد قدرت أعدادهم في نهاية الثمانينات بثلاثة ملايين، أما آخر الإحصاءات فتدل على أن الأعداد في تناقص؛ نتيجة لاستقرار الأحوال في دول الجوار كإثيوبيا وأوغندا وتشاد.
ويأتي معظم الوافدين للسودان من إثيوبيا وإريتريا، حيث كانت أعدادهم حتى عام 1996م نحو 1.021.894 وافدا، ومن بين المشكلات الديمجرافية (أو السكانية) في السودان: ارتفاع نسبة صغار السن بحيث تصل نسبة من هم دون 15 سنة 47% من جملة السكان؛ مما يعني ارتفاع نسبة الاعتماد في السكان، فكلما زادت نسبة صغار السن في السكان قلت قوى العمل ونقص الإنتاج. وعلى الرغم من قلة قوى العمل إلا أن الضعف الاقتصادي، وقلة الاستثمار جعلا نسبة البطالة في قوى العمل (ممن هم في سن 15 سنة فأكثر) تصل إلى 6% في عام 1983م.
سرعة نمو السكان في السودان
ومما يعقد الوضع ديمجرافيا واقتصاديا: سرعة نمو السكان، فمنذ تعداد السكان الأول عام 1956م وحتى عام 1996م ظلت نسبة النمو السنوي للسكان في حدود 3%؛ مما يعني تضاعف السكان في أقل من 23 سنة، أما أكثر جهات السودان نموا سكانيا فهي المدن الكبرى التي تنمو نموا طبيعيا إضافة إلى استقبال أعداد هائلة من المهاجرين من الداخل والخارج، فقد سجلت بعض المدن الكبرى نموا سنويا يتراوح بين 7% و10%.
وزاد عدد سكان الخرطوم الكبرى من 1.8 مليون نسمة في عام 1983م إلى حوالي 4 ملايين في عام 1990م، وقد أدت هذه الزيادة الهائلة إلى وجود مشكلات اقتصادية واجتماعية معقدة، كان من بينها تردي كثير من الخدمات والمرافق.
التعليمُ
التعليم السوداني
إن 49% من مجموع سكان السودان أميون، وتسعى الدولة إلى تحسين نظم التعليم ومحو الأمية بالبلاد، فقد عممت الدولة الالتحاق بالتعليم الأساسي وجعلته إلزاميا بدءا من عام 1998م، ووضعت برنامجا لمحو الأمية. وكان السلم التعليمي في السودان قد تغير في عام 1991م، من (6+3+3) إلى (2+8+3) ليشمل: مرحلة ما قبل المدرسة، ومدتها سنتان، ومرحلة الأساس ومدتها 8 سنوات، والمرحلة الثانوية ومدتها 3 سنوات.
وقد تم تغيير منهج مرحلة الأساس حيث قسم إلى ثلاث حلقات، كما تم تنويع التعليم الثانوي، وألحقت معاهد تدريب المعلمين بالجامعات.
ونظام التعليم في السودان مجاني رغم وجود المدارس والجامعات الخاصة.
التوسع في التعليم السوداني
لقد توسع التعليم في العقد الأخير من القرن العشرين توسعا كبيرا فزاد عدد طلاب مرحلة الأساس من مليوني طالب في عام 1990م إلى 2.863.600 في عام 1996م، وزاد عدد المدارس الثانوية من 484 مدرسة في عام 1990م إلى 1010 مدارس في عام 1996م.
أما الجامعات فقد زادت من ست جامعات في عام 1990م إلى ست وعشرين جامعة في عام 1996م، وزاد عدد طلاب الجامعات من 6.080 طالبا في عام 1990م إلى 33.840 طالبا في عام 1996م.
الرعاية الاجتماعية والصحية في السودان
تعمل وزارة التخطيط الاجتماعي على توفير الضمان والأمن الاجتماعي ورعاية الطفولة والمرأة والأسر الفقيرة، وأناطت ببعض الجهات تنفيذ خطتها، ومن هذه الجهات: ديوان الزكاة، وصندوق دعم الطلاب، والصندوق القومي للتأمين الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، ومعتمدية النازحين، وصندوق التكامل، والأوقاف، ومفوضية العون الإنساني.
أما الخدمات الصحية فقد تدهورت بصورة كبيرة؛ وذلك لقلة الإمكانات وسوء توزيعها، وضعف نظام الرعاية الصحية الأولية، والزيادة العالية في تكلفة الرعاية الصحية.
كما أدى تدهور صحة البيئة إلى تفشي الأمراض المستوطنة الناجمة عن سوء التغذية.
النظامُ السياسيُّ
نظامُ الحكمِ
مساحة السودان
السودان أكبر الدول العربية والإفريقية قاطبة من حيث المساحة (حوالي 2.505.813 كم²)، ويمتد بين دائرتي عرض 4° و22° شمالا وخطي طول 22 و38° شرقا. وتبلغ أطول مسافة له من الشمال للجنوب حوالي 2050 كم، وأقصى مسافة من الشرق للغرب حوالي 1850 كم. وتشكل مساحة السودان 8.3% من مساحة القارة الإفريقية، و1.7% من مساحة اليابسة.
وللسودان حدود مشتركة مع تسع دول عربية وإفريقية هي: مصر، وليبيا، وتشاد، وإفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية (زائير سابقا)، وأوغندا، وكينيا، وإثيوبيا، وإريتريا.
وتطل البلاد على واجهة بحرية طولها 644 كم على البحر الأحمر.
حكومة السودان
السودان جمهورية رئاسية ينتخب فيها الرئيس مباشرة بواسطة الشعب لفترة خمس سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه لأكثر من ولاية واحدة فقط، ويعين الرئيس شاغلي المناصب الوزارية والاتحادية والمناصب الدستورية الولائية وفق الدستور والقانون لتصريف شؤون الحكم بالبلاد. وللرئيس نائبان؛ أول وثان.
ويجوز للرئيس أن يوزع اختصاصاته بتفويض مستشارين أو مساعدين برئاسة الجمهورية للقيام بها، ويتولى سلطة التشريع الاتحادي المجلس الوطني (الذي ينتخب لفترة أربع سنوات)، ورئيس الجمهورية حسبما يحدد الدستور.
ويشكل المجلس بالانتخاب على النحو الآتي: 275 عضوا بالانتخاب المباشر من الدوائر الجغرافية المقسمة بتمثيل عادل للسكان في البلاد.
و125 عضوا بالانتخاب من المؤتمر الوطني بتمثيل متوازن لقوى الشعب وأنواعه وأقاليمه. والوزراء الحاملون لحقائب وزارية بحكم مناصبهم.
صلاحيات الرئيس السوداني
يعين رئيس الجمهورية رئيس القضاء وسائر القضاة وفق القانون. والهيئة القضائية مسئولة أمام رئيس الجمهورية، إلا أن القضاة مستقلون في أداء واجباتهم، ولهم الولاية القضائية الكاملة في اختصاصهم. ويرشح الرئيس ثلاثة أشخاص لكل ولاية، من الولايات الست والعشرين، لتولي منصب الوالي، ويختار مجلس الولاية بالاقتراع السري أحد المرشحين الثلاثة، ويعتمد الرئيس المرشح الفائز واليا لمدة أربع سنوات، ويجوز ترشيح الوالي لتجديد ولايته مرة واحدة فقط. ويعين الرئيس وزراء الولايات، والمحافظين بعد التشاور مع الوالي المختص.
نظام المؤتمرات السوداني
اعتمد السودان نظام المؤتمرات لتسليم السلطة للشعب بإرجاع القرار السياسي والتشريع للمواطنين، ويتكون نظام المؤتمرات من المؤتمر الأساسي في الحي أو القرية، ثم المؤتمر المحلي في المدينة، ثم مؤتمر المحافظة ومؤتمر الولاية، ثم المؤتمر الوطني الذي يتكون من 4862 عضوا مناصفة بين الأعضاء المصعدين من مؤتمرات ومجالس الولايات والمؤتمرات القطاعية الثمانية (الاقتصادي، والاجتماعي الثقافي، والشبابي الطلابي، والنسوي، والقانوني، والإداري، والدبلوماسي، والدفاعي الأمني).
وينتخب المؤتمر النسبة المخصصة له في المجلس الوطني.
الدستور السوداني
سعت الدولة لإقرار دستور البلاد الشامل بعد أن اكتملت أجهزتها واستقر نظامها، فأعد الرئيس مشروع الدستور، ثم أودعه المجلس الوطني للتداول في مارس 1998م؛ لإجازته، وتم عرضه في استفتاء شعبي حيث تمت الموافقة عليه في العام نفسه.
تاريخُ الدولةِ
تاريخُ السودانِ القديمُ
السودان قديما
تمتد جذور تاريخ السودان وحضارته إلى عصور موغلة في القدم، فقد شهد حضارات لما قبل التاريخ، وأخرى من العصور التاريخية المبكرة جدا. ويمكن أن تقسم حقب التاريخ القديم للسودان وحضاراته إلى ثلاث حقب رئيسية هي: ما قبل التاريخ، والمجموعتان الحضاريتان الأولى والثانية، وكوش.
وتعد المجموعتان الحضاريتان صلة بين ما قبل التاريخ وحقبة كوش من جهة؛ كما تعد المجموعة الثانية منهما معاصرة للنصف الأول من كوش، زمنا وحضارة، من جهة أخرى.
ما قبل التاريخ في السودان
لم يكن غريبا على السودان، بحكم موقعه الجغرافي في شمال شرقي إفريقيا، أن يحتوي على آثار لحضارات قديمة تعود إلى المراحل المبكرة من العصر الحجري القديم؛ بسبب مجاورته لأقدم مواطن الحضارات الإنسانية؛ فإلى الشرق والجنوب الشرقي منه، في إثيوبيا وكينيا وتنـزانيا، ظهرت أقدم الأدلة المعروفة لدى الباحثين حتى الآن لبدايات الحضارة البشرية.
وعلى الرغم من أن دراسات العصور الحجرية وما قبل التاريخ في السودان ما تزال في بدايتها، فإن ما عثر عليه كاف لإعطاء صورة عن تلك المرحلة.
مواقع آثار سودانية
على ضفاف نهر النيل وفروعه في أواسط السودان وشماله عثر على مواقع حوت أدوات حجرية أشولية مبكرة، تعود إلى الدور الثاني من حقبة العصر الحجري القديم الأسفل، ربما يتجاور تاريخها المليون عام. ومن أهم تلك المواقع موقع خور أبي عنجة في أم درمان، ومواقع أرقين قرب وادي حلفا. ويعتقد أن النيل الأزرق، والذي يعد الآن المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل، لم يكن آنذاك جزءا من شبكة الأنهار المكونة لنهر النيل، غير أن هذا الرأي ينتظر المزيد من الدراسات الجيوآثارية.
المواقع الأشولية للآثار في السودان
حوت المواقع الأشولية أدوات شملت الفؤوس والسواطير، وقد تباينت في تطورها بين الأشولي الأسفل والأوسط والأعلى، ومع ظهور الأشولي الأعلى ازدادت نسبة التقنية اللفلوازية التي ميزت العصر الحجري القديم الأوسط، والذي وجد حضاريا في عدة مناطق من السودان، وقد شملت هذه المرحلة ثلاثة أنماط حضارية هي:
الموستيرية التي تميزت بأدوات حجرية كالمكاشط الرأسية والمناقش والمخارز، فالموستيرية التي غلبت فيها المناجل الحجرية، وأخيرا السنجاوية التي تميزت بالمكاشط الجانبية والشظايا، وإن اختلفت في بعض سماتها عن السنجاوية من جنوب الصحراء. ويعود تاريخ مواقع هذه المرحلة إلى نحو 60.000 - 25.000ق.م.
العصر الحجري للحضارة السودانية
العصر الحجري القديم الأعلى (من نحو 25.000 - 15.000ق.م) فقد شهد تطور عدة حضارات، كحضارة جمي وحضارة السبيل، وقد تباينت في تقنية الأدوات المستخدمة فيها وأنواعها.
وفي العصر الحجري القديم الأعلى المتأخر (من نحو 15.000 - 7500ق.م) عرف السودان حضارات أنتجت أدوات قزمية وشفرات صغيرة تظهرها حضارات بلانة وحلفا. واعتمد اقتصاد هذه الحضارات، وفي جميع مراحلها السابقة، على جمع النباتات البرية والصيد البري والأسماك. أما العصر الحجري الحديث (من نحو 7.500 - 2،500ق.م) فقد تميز بصناعة الفخار، وممارسة الرعي والزراعة والاستقرار، وهناك أدلة وافرة عن هذه الفترة التي شهدت تقلبات مناخية كبيرة.
ولقد كانت للمجتمعات السودانية القديمة آنذاك مساهمات واضحة في تطور حضارات العصور الحجرية، فإلى جانب دورها في نقل بواكير الحضارة البشرية من شرقي إفريقيا إلى شماليها، فإن تلك المجتمعات سبقت غيرها في المناطق المجاورة الصغيرة، وفي صناعة الفخار الذي تعد أدلته المبكرة في أواسط السودان من أقدم الأدلة على إنتاجه في العالم.
المجموعتان الحضاريتان
(من 3100 - 1500ق.م). هما مجموعتان تنسبان إلى أقوام وجدت آثارهم في النوبة المصرية حاليا، مع تجاوز لها جنوبا إلى جنوب الشلال الثاني. ولأن أصحاب هاتين المجموعتين لم يعرفوا الكتابة، ولم يخلفوا نقوشا توضح أصولهم وأنظمتهم السياسية، والأحداث التاريخية الهامة في تاريخهم، فقد سماهم الآثاريون الأولون المجموعات الحضارية. ولما كان الاعتقاد لدى علماء الآثار الأولين أن هناك ثلاث مجموعات حضارية فقد ميزوها بالحروف الثلاثة الأولى من الأبجدية اللاتينية A (ألف) وB (باء) وC (جيم).
ولما اتضح لعلماء الآثار اللاحقين المعاصرين أنه ليست هناك ثلاث مجموعات وإنما هما مجموعتان، وأن ما عرفت بالمجموعة B (باء) ليست إلا جزءا وسطا بين المجموعتين A (ألف) وC (جيم)، فقد اكتفوا بمجموعتين فقط يمكن تسميتهما بالمجموعة الحضارية الأولى والمجموعة الحضارية الثانية.
أسباب الفصل بين المجموعتين
المجموعتان الحضاريتان لم تكونا متعاصرتين، وإنما كانتا متعاقبتين، يفصل المجموعة الأولى عن الثانية نحو سبعة قرون من الزمان، ويعلل هذا الفاصل الزمني بأن أصحاب المجموعة الحضارية الأولى تركوا بلاد النوبة لأسباب غير معلومة يقينا الآن، ثم عادوا لها بعد سبعة قرون لأسباب غير معروفة يقينا أيضا، ويعني هذا القول أن أصحاب المجموعتين قوم واحد، لا اختلاف بينهما إلا في بعض أساليب الحياة التي اكتسبها أصحاب المجموعة الحضارية الثانية بمرور الزمن والبيئة المختلفة التي كانوا قد نزحوا إليها من النوبة.
تاريخ المجموعتين
تعاصر المجموعة الحضارية الأولى الأسرتين الأولى والثانية من المملكة المصرية القديمة، من نحو 3100 - 2686ق.م. كما تعاصر بداية المجموعة الثانية الأسرة السادسة من المملكة المصرية القديمة نفسها، نحو 2460ق.م، أما نهايتها فيؤرخ لها بنحو 1500ق.م، بعد احتلال مصر لبلاد النوبة وشمال كوش في الأسرة الثامنة عشرة من المملكة المصرية الحديثة، وخلال هذه الفترة الطويلة عاصرت المجموعة الحضارية الثانية كوش منذ منشئها نحو 2500ق.م، إلى الاحتلال المصري لجزئها الشمالي نحو 1500ق.م.
آثار المجموعتين
لقد اتضح من المعثورات من مقابر المجموعتين الحضاريتين أن أصحابهما تمتعوا بمستوى عال نسبيا من الرفاهية، وأنهم عرفوا قدرا من الزراعة إلى جانب الرعي، كما اتضح أن أصحاب المجموعة الحضارية الثانية ربوا أبقارا متميزة بقرونها الطويلة من النوع الذي انتشر في شمال شرقي إفريقيا.
وأظهرت معثوراتهم أنهم كانوا على صلة وثيقة بمصر. ويثبت حرصهم على تزويد موتاهم بأمتعة دنيوية أنهم كانوا يؤمنون بحياة آخرة يعيش فيها المرء كما يعيش في حياته الدنيا ويحتاج فيها إلى متاعه الذي ألفه في الحياة الدنيا.
كوش
يعتبر ظهور كوش معاصرا للأسرة السادسة المصرية ولبداية المجموعة الحضارية الثانية في النوبة المصرية الآن، ويؤرخ لهذا الظهور بنحو 2500ق.م، وتعد المدينة التي وجدت آثارها في كرمة الحالية عاصمتها الأولى، وموقعها في جنوب الشلال الثالث.
ولقد تميزت كوش بفترات عدة، ولكل واحدة منها خصائصها، وهذه الفترات هي: فترة كرمة (نحو 2500- 1500ق.م)، والفترة النبتية الأولى (746ق.م)، وحكم مصر وكوش (746-663ق.م)، والفترة النبتية الثانية (663-540ق.م)، والفترة المروية (540ق.م- 400م). والذي لا شك فيه هو أن رقعة كوش كانت واسعة جدا، وإن لم يتيسر بعد تحديد حدودها الفعلية، لكن المناطق التي شملتها آثارها واتساعها تؤكدان سعة رقعتها الجغرافية.
وتعد حدودها الشمالية، في بداية تاريخها، في الشلال الثاني، أي في جنوب المجموعة الحضارية الثانية، لكن حدودها الشمالية تغيرت فيما بعد لتبلغ جنوب الشلال الأول، أي كل النوبة المصرية حاليا، في القرن الثاني قبل الميلاد.
تاريخُ السودانِ فِي العصورِ الوسطَى
دخول النصرانية إلى السودان
دخلت النصرانية السودان (543 - 1504م)، حيث مرت بمملكة مروي بعد القرن الرابع الميلادي فترة غموض تاريخي لم يعرف الباحثون حقيقة أمره، ولم تتضح الحالة التي كان عليها السودان حتى أخذت الديانة النصرانية تتوغل في أراضيه، ويدين بها الناس، ويأتي إليهم المنصرون من مصر ومن غيرها.
ممالك النوبة
كان أول من تحدث عن النوبة هو إراتو سثينيس (276 - 196ق.م)، وقد ذكر سترابو لفظ النوبة حين وصف أهلها بأنهم شعب عظيم في كتابه السابع الجغرافيا، وأضافت المصادر العربية الإسلامية مزيدا من المعلومات عن ممالك النوبة في الأراضي السودانية، ومن هذه المصادر يعرف أنه كانت هناك ثلاث ممالك نوبية في الأراضي الواقعة بين أسوان وجنوبي الخرطوم، وهذه الممالك هي: مملكة نوباتيا وامتدت من الشلال الأول إلى الشلال الثالث، وعاصمتها فرص، ثم تلتها مملكة المقرة وعاصمتها دنقلا.
وكانت حدود هذه المملكة تمتد إلى المنطقة التي سماها العرب الأبواب، وهي بالقرب من بلدة كبوشية (شندي).
أما المملكة النوبية الثالثة فهي مملكة علوة، وامتدت حدودها جنوبا إلى ما وراء الخرطوم، إذ أن عاصمتها كانت في سوبا التي تقع في جنوب شرقي الخرطوم.
وكان أول من حدثته نفسه بالذهاب إلى ممالك النوبة للتنصير هو الأسقف يوليانوس الذي ذهب إلى الإمبراطورة الرومية (البيزنطية) ثيودورا زوجة، الإمبراطور الرومي (البيزنطي) جستنيان في القسطنطينية، وأخبرها بأنه يود أن يدخل النوبة في الدين النصراني.
وكانت ثيودورا أسرع من زوجها في تمهيد الطريق ليوليانوس لكي يذهب إلى مصر، فقدم له حاكمها الروماني العون امتثالا لأمر ثيودورا، وأسرع في إرسال بعثته إلى النوبة، ووصل الأسقف إلى بلاط ملك نوباتيا في حوالي سنة 543م، وهناك التقى بالملك النوبي وأسرته محدثا إياهم عن النصرانية على مذهب اليعاقبة، ووجد تنصيره أذنا صاغية لدى الملك النوباتي الذي قبل أن يعمد هو وأسرته، وهكذا دخل هذا الجزء من بلاد النوبة في النصرانية.
تنصر الممالك السودانية
استطاع المنصرون اليعاقبة أن يشدوا الرحال إلى سوبا عاصمة مملكة علوة، ونجحوا في الوصول إلى هناك باتفاق بين ملك البجة وملك نوباتيا، واستقبلهم الملك النوبي وأهل بيته، وقبلوا اعتناق النصرانية على مذهب اليعاقبة أسوة بمملكة نوباتيا، وكان هذا المذهب هو الذي يدين به المصريون. أما المملكة النوبية الثالثة وهي مملكة المقرة وعاصمتها دنقلا فإنها تنصرت على المذهب المغاير وهو الملكاني، وهو شيء محير؛ ذلك لأن هذه المملكة كانت واقعة بين المملكتين اليعقوبيتين، إحداهما شمالها وهي نوباتيا، والأخرى جنوبها وهي سوبا.
المسلمون والنوبة
طرق العرب المسلمون أبواب مملكة المقرة النوبية لأول مرة في إمارة عمرو بن العاص الأولى وذلك في سنة 20هـ، 640م، عندما أرسل إليهم عقبة بن نافع الفهري لفتح البلاد ونشر الدعوة الإسلامية.
وبعد أن عين الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عبد الله بن سعد بن أبي السرح أميرا على مصر، أعد هذا الأمير جيشا لغزو النوبة في عام 31هـ، 651م.
وخرج عبد الله بجيش قوامه نحو 5000 مقاتل، ودخل أراضي المقرة حتى وصل إلى عاصمتها دنقلا التي قاومته بشدة، فحاصرها، وضربها بالمنجنيق، وسميت تلك المعركة بمعركة رماة الحدق. ولما لم تكن المعركة معركة فاصلة فقد اتفق الجانبان على إحلال السلم بينهما بشروط من أهمها: إنهاء الحصار ووقف القتال، وألا يمنعوا المسلمين من الصلاة في مسجد دنقلا، كما يجب على النوبيين أن يعملوا على نظافة المسجد هناك وإضاءته، وعدم الاعتداء على المسلمين الذين يصلون فيه، وفي نظير ذلك تعهد المسلمون بتقديم بعض الأقمشة للنوبة، كما وافقوا على إعطائهم 1300 أردب من القمح، ومثلها من الشعير، وجوادين، وفتح أبواب التجارة والعبور بينهما، وسميت هذه الاتفاقية في الكتب العربية البقط ولعلها كلمة أخذت عن اللاتينية بمعنى اتفاقية.
ورغم اتفاقية البقط، فإن العلاقات بين المسلمين والنوبة كانت تسوء أحيانا وتندلع بينهم المناوشات؛ وربما كان السبب في ذلك امتناع النوبة عن القيام بالتزاماتها، وقد يكون بسبب بعض الإغارات التي كان يقوم بها أهالي النوبة على أسوان وصعيد مصر من وقت لآخر.
الفتح الإسلامي للنوبة
قام المسلمون بغزو النوبة عدة مرات بعد صلح عبد الله بن سعد بن أبي السرح، مرة في خلافة هشام بن عبد الملك ولم تفتح، ثم غزاها يزيد بن أبي حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة على يد عبد الأعلى بن حميد، وغزاها كافور الإخشيدي، ثم غزاها ناصر الدولة بن حمدان وأغار على السودان لكن جيشه نهب وأخذ منه كل ما كان معه، ورجع خاسرا وذلك في سنة 459هـ، 1066م في خلافة المستنصر بالله العبيدي الفاطمي بالديار المصرية، ثم غزاها بعد ذلك شمس الدولة توران شاه شقيق صلاح الدين الأيوبي في سنة 568هـ، 1172م، ولم يتجاوز إبريم، ثم مضى إليها جيش الملك الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي في رجب 674هـ، أكتوبر 1275م.
وهذه الحملات كانت في عام 767هـ، 1365م حيث دارت معارك بين ملك النوبة وكل من بني عكرمة وبني جعد، بعدها ترك ملوك النوبة دنقلا واستقروا في قلعة الدو.
مملكة البجة
كان العرب ينطقونها بضم الباء ويقولون أيضا: البجاة، ولكن الاسم السائد أصبح الآن بكسر الباء، وهم أمة من الناس عاشوا منذ أكثر من خمسة آلاف سنة في المنطقة الواقعة الآن بين بئر شلاتين على البحر الأحمر، وجزيرة دهلك وباضع، أي مصوع، في إريتريا، وهم أمة بادية، وعرف البجة بالبليميين في عصور اليونان والرومان، وكانوا يركبون الجمال، يسافرون عليها، ويقاتلون من فوق ظهورها، وكانوا يحاربون المصريين أحيانا، كما كانوا يحاربون معهم أحيانا أخرى، وكذلك فعلوا مع من جاء بعدهم ممن حكم مصر وخاصة البطالمة والرومان، وأخيرا العرب.
فلما جاء المسلمون كان أول من التقى بهم عبد الله بن سعد بن أبي السرح في سنة 31هـ، 651م، فرآهم في صعيد مصر بعد حربه مع النوبة، وسأل عنهم، فقيل له: إنهم لا يقيمون في مقر واحد، وإنهم أهل بادية؛ فلم يهتم كثيرا بأمرهم.
وعلم البجة أن المسلمين قد جاءوا بدين جديد هو دين الإسلام، فقبلوا هذا الدين وهم لا يعرفون العربية.
واعتنقته جماعات منهم، دون أن يعرفوا كيف يضبطون شرائعه، ولم يتفق معهم ابن أبي السرح على شيء يحدد العلاقة بينهم وبين المسلمين، وكانت عيذاب ميناءهم الذي كان يبحر منه المسلمون إلى جدة، أو يقدمون من جدة إليها ثم إلى صعيد مصر وأرض النوبة، فظلت هذه المناطق تستقبل القبائل العربية.
وقد استقر كثير من العرب والمسلمين فيها، وحدث امتزاج بين المسلمين والأهالي وازدادت الروابط وثوقا.
قبيلة الفونج في السودان
وعندما حل القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي كان السودان يعج بالقبائل العربية، وكان من بين هذه القبائل جماعة من الأمويين يعرفون بالفونج، سلكوا طريقا مختلفا عن غيرهم ووصلوا إلى منطقة سنار جنوبي الخرطوم.
وكانت مملكة علوة النوبية النصرانية تحكم أكثر مناطق السودان، ومع أنها كانت مملكة شاسعة مترامية الأطراف بعيدة عن الأراضي المصرية، وعن شرقي السودان، إلا أن العرب كانوا يؤمونها، ويعتقدون أن النيل ينبع من هناك، وأن في جزيرة علوة الفيلة والخرتيت.
وهكذا ازداد تدفق القبائل العربية إلى السودان، وكانت أولى محاولات بعض القبائل العربية كربيعة وبني جعد وبني عكرمة هي الاستيلاء على دنقلا عاصمة مملكة المقرة.
وفي سنة 767هـ، 1365م تحالف كل من بني الكنز وبني عكرمة وبني جعد للقضاء على ملك المقرة، وبالرغم من أن السلطان المملوكي أرسل جنوده لحماية ملك المقرة إلا أن الملك النوبي لم يشعر بالاطمئنان على نفسه وهو في دنقلا؛ ولذلك رحل إلى قلعة الدو. وبعد رحيل ملك النوبة وابن أخيه الذي كان معارضا له إلى قلعة الدو لم يذكر المؤرخون شيئا عما حدث في دنقلا عاصمة النوبة على مدى قرون طويلة.
وكان قد حاق بها الخراب من جراء تلك الاشتباكات، وأخلاها أهلها وبقي بنو جعد حولها.
مملكة علوة بالسودان
أما مملكة علوة فلم تهاجمها القبائل العربية طوال القرون من عام 31-910هـ، 651-1504م ولكنهم كانوا قد أقاموا في أراضيها، واختلطوا بأهلها، وكان السكان الأصليين طوال فترة التغلغل العربي قد أخذوا يعتنقون الدين الإسلامي، ولكن ملوكها تمسكوا بنصرانيتهم.
واجتمع العرب تحت مظلة شيخ قبيلة القواسمة الشيخ عبد الله جماع، وزعيم الفونج عمارة دنقس، وكونوا جيشا موحدا انطلق نحو سوبا عاصمة مملكة علوة، ودخلوا في أربجي، في طريقهم إلى سوبا، في معركة فاصلة مع جيش النوبة انتهت بالقضاء على ذلك الجيش، وإنهاء مملكة النوبة، وخراب العاصمة، وبعد ذلك تولى عمارة دنقس الملك، وأصبح عبد الله جماع وزيره. وكان هناك اتفاق على أن يكون الملك في عمارة وأبنائه، وأن تصبح الوزارة في يد الشيخ عبد الله جماع وذريته.
وأقام عمارة في عاصمته التي خطها وهي سنار، وظل عبد الله جماع في قصبته التي هي في بلدة قرشي بالقرب من الخرطوم، وفي هذه الفترة خرجت السلطنة الزرقاء إلى الوجود في الأراضي السودانية، كما عرفت أيضا بسلطنة الفونج ومملكة الفونج وذلك في سنة 910هـ، 1504م.
مملكة الفونج بالسودان
(من سنة 910-1236هـ، 1504-1820م). هي أول مملكة إسلامية ظهرت في السودان، وقد دانت لها أكثر القبائل العربية المنتشرة بين سنار إلى منطقة دنقلا، ودانت لها قبائل البجة بشرقي السودان من مملكة بني عامر الممتدة حتى مصوع جنوبا إلى البشاريين شمالا حتى الحدود الشمالية مع مصر، وكانت هذه المملكة المسلمة اتحادا لممالك القبائل المختلفة الذين كانوا يدينون بالطاعة لسلطان الفونج.
وفي العصور التي كان فيها السلطان الفونجي قويا استطاع أن يوسع رقعة بلاده لتشمل كردفان أيضا، كما أنها في أوقات ضعفها خسرت مملكة الشايقية الذين خرجوا عن طاعتها، ودخلت مملكة الفونج في حربين مع الحبشة؛ الأولى في عام 1028 - 1029هـ، 1618 - 1619م، والثانية في سنة 1157هـ، 1744م؛ وذلك بسبب محاولات الحبشة الاعتداء على الأراضي الفونجية، وتمكن ملوك السلطنة الزرقاء من هزيمة الأحباش في تلك الحروب. واهتمت سلطنة الفونج بعلاقاتها بالخارج، فلما أراد السلطان العثماني سليم الفاتح أن يرسل جيشا لفتح السودان بعد فتح مصر 923هـ، 1517م، أرسل إليه الملك عمارة دنقس رسالة أنبأه فيها أن بلاده لا يسكنها إلا أعراب بادية، وأنهم جميعا مسلمون، وأنهم لا يملكون من حطام الدنيا شيئا إلا القليل، وأرسل إليه ما كتبه الإمام السمرقندي عن أنساب القبائل العربية في السودان، فعدل السلطان العثماني عن غزوه للسودان.
حضارة مملكة الفونج بالسودان
كان كل من سلاطين آل عثمان وسلاطين الفونج ووزرائهم يهتمون بتأمين طريق الحجاج الأفارقة إلى الديار المقدسة، وجعل الوزراء الطريق مأمونا داخل السودان للوصول إلى سواكن، ولما كانت سواكن تفتقر إلى المياه التي تكفي الحجاج فقد أمر الوزير العبدلابي بحفر ترعة كبيرة تعرف في السودان بالفولة؛ وذلك لتتجمع فيها مياه الأمطار ويستعملها الناس فيما بعد في حاجاتهم اليومية.
واشترى وزراء الفونج الأراضي التي حول الحرمين الشريفين، وأقاموا فيها أروقة لحجاج سلطنة الفونج، كما أنشأوا الرواق السناري في مصر في الأزهر الشريف، ليلجأ إليه الطلاب السودانيون الذين يتلقون العلم في الأزهر، وكان كل الحجيج الإفريقي يستظل بظل رواق الفونج في أرض الحرمين الشريفين.
وكان سلاطين الفونج يرحبون بعلماء المسلمين حين يزورون سنار وذلك للإفادة من علمهم، وإرشاد الأهالي إلى الدين القيم.
وقد ظلت مملكة الفونج بين مد وجزر حتى سنة 1236هـ ، 1820م حين قرر محمد علي باشا والي مصر فتح السودان.
فتحُ محمد عليّ للسودانِ
التفكير في فتح السودان
بعد أن تولى محمد علي الحكم في مصر، أخذ يفكر في التوسع في الأراضي المجاورة له، وكان أن أعد العدة لغزو السودان والاستيلاء عليه، بعد أن أرسل الرسل لدراسة الحالة في السودان، ومدى المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها جيشه، فعندما اطمأن للنتائج أعد جيشين أحدهما بقيادة ابنه إسماعيل لغزو مملكة الفونج، وإخضاع أراضيها لحكمه، أما الجيش الثاني فقد كان بقيادة صهره الدفتردار، وكان على هذا الجيش أن يتوجه إلى كردفان بغربي السودان.
أسباب ضم السودان
كانت لمحمد علي أسباب تدعوه إلى القيام بهذا العمل؛ فقد كان تواقا إلى إعداد جيش قوي يحسن تعلم النظام، وقبول الأوامر، والانصياع لرؤسائه. ومن أهدافه أيضا الحصول على مناجم الذهب وخصوصا في جبال شنقول، واحتكار تجارة الأراضي السودانية من رقيق وعاج وأشياء أخرى، وتأمين حاجة مصر من مياه النيل خوفا من سيطرة دولة أخرى عليه.
وكان محمد علي نفسه يخشى على موقفه من الأطماع الغربية فقرر الاستيلاء على الأراضي السودانية لتكون له ملاذا من الأطماع الأوروبية، وأمانا لحدوده الجنوبية، ومن أجل هذه الأسباب قرر محمد علي إرسال جيشين إلى السودان للاستيلاء على مملكة الفونج وإنهاء حكمهم من سنار وضم منطقة كردفان.
جيش إسماعيل يتقدم نحو السودان
كان جيش إسماعيل يتكون من 4500 جندي، مسلحين بالأسلحة النارية ومعهم بعض المدافع والخبراء.
وتقدم هذا الجيش إلى السودان في سنة 1236هـ، 1820م، ولم يصادف أية مقاومة تذكر في المرحلة الأولى، حتى وصل إلى أرض قبيلة الشايقية التي قاوم أهلها جيش محمد علي، والتحموا معه في معركة كانوا يحاربون فيها بالسلاح الأبيض، لكن السلاح الناري فتك بهم وشتت شملهم، ولم تنجح المقاومة، واضطرت قبيلة الشايقية إلى الاستسلام، وتقدم جيش إسماعيل بعد ذلك جنوبا في طريقه إلى سنار.
الاستيلاء على السودان
واصل الجيش تقدمه حتى وصل إلى بربر، فبقي فيها إسماعيل ينتظر قدوم زعماء القبائل السودانية لمبايعته، وبدأت تصله طلائع بعضهم ومنهم ابن الملك نمر ملك قبيلة الجعليين، ثم تقدم بعد ذلك إلى شندي، وكان قد أرسل إلى الوزير الفونجي محمد عدلان يطلب منه ومن السلطان تقديم فروض الولاء. وكان إسماعيل قد أقر زعماء القبائل على مواقعهم زعماء على تلك العشائر.
ولم يكن الوزير يرغب في التنازل عن مسؤوليته القومية لإسماعيل.
كان أول ما فعله إسماعيل عند فتح السودان أن فرض الضرائب على الأهالي وهو أمر لم يكن معروفا لديهم في عهد دولة الفونج.
تحقيق الأهداف في السودان
وفي ديسمبر 1238هـ، 1822م مات إسماعيل، وكثير من بطانته حرقا؛ بسبب خدعة أعدها له الملك نمر، فعاد الدفتردار من كردفان وعامل السودانيين بشيء من القسوة وظل يتعقب الملك نمر الذي فر إلى الحبشة، ثم استقرت الأمور، وأرسل محمد علي من يطمئن الأهالي، ويعيد الأمن للسودان، وبدأت محاولات تحقيق الأهداف، وذلك بالحصول على السود للتجنيد في الجيش المزمع إنشاؤه، لكن الأعداد التي كانت ترسل لم تكن بالقدر الكافي، كذلك فإن الذهب الذي قيل عن وجوده بكثرة لم تظهر تباشيره، وذهب محمد علي إلى السودان في زيارة لتفقد الأحوال، فطمأن الأهالي، وشجعهم على أن يأخذوا بأهداب المدنية الحديثة.
تنمية السودان
قسم محمد علي البلاد إلى مديريات يحكم كل منها مدير، وعين حاكما عاما على السودان، يعمل تحت إمرته هؤلاء المديرون، وكان خورشيد باشا أول حاكم عام للبلاد، واهتم بالمسألة العمرانية، وكان محمد علي يوالي طلباته للسود وللذهب، مع فرض الضرائب التي لم يستطع الأهالي دفعها.
واهتم محمد علي باشا بعد فتح السودان بالناحية القضائية، فأدخل نظام القانون التركي في البلاد ليحل محل القانون القبلي، الذي كان منتشرا فيها، وأصبح هذا النظام نافذ المفعول في القضايا الجنائية والمدنية، وعين رئيسا للقضاة على كل الديار السودانية.
وفي عهد عباس الأول ومحمد سعيد شهد السودان لأول مرة فتح مدرسة عصرية هي مدرسة الخرطوم التي عمل فيها رفاعة الطهطاوي بعد رجوعه من فرنسا.
التوسع في السودان
في خلال فترة الحكم المصري في السودان (من عام 1236 - 1303هـ، 1820 - 1885م) توسعت الحدود السودانية فشملت أراضي شرقي السودان، حيث تسكن قبائل البجة، وشمل التوسع المناطق الجنوبية من السودان فأرسل إليها السير صمويل بيكر وغوردون باشا لضمها إلى أملاك مصر في السودان.
كما قام الزبير باشا بعمل منفرد لفتح بحر الغزال وتأسيس مملكة إسلامية بها، وكان جنوده من السود، وكان قد استرقهم في بادئ الأمر، ثم أعد منهم جيشا، وسرعان ما بدأت المناوشات بينه وبين مملكة دارفور غربي السودان؛ بسبب تعرضهم لقوافله التجارية عبر أراضيهم، وكانت مملكة الفور مملكة إسلامية منذ القرن السابع عشر الميلادي.
السودان في عهد الخديوي إسماعيل
في عهد الخديوي إسماعيل استأجرت مصر ميناءي سواكن ومصوع من الحكومة العثمانية، وتوسعت الحكومة المصرية بعد ذلك في إريتريا وضمتها إليها، وجعلت من سواكن أيضا ميناء للسودان؛ حتى يستطيع السودان ممارسة تجارته، وإرسال صادراته، وتسلم وارداته من سواكن بدلا من طريق النيل.
وازدادت مساحة أملاك مصر في السودان حتى بلغت أكثر من مليون ميل مربع، وذلك عندما أرسل غوردون ليكون حاكما عاما على السودان لأول مرة في الفترة ما بين 1877 - 1879م. ومع ازدياد مساحة السودان ازدادت مشكلات الحكم فيه.
استغلال موارد السودان
حاولت الإدارة المصرية استغلال موارد السودان فأرادت إدخال زراعة القطن وحلجه، وحاول حسين بك خليفة أن يشجع السودانيين على زراعة الأراضي، وكان نجاح الخديوي إسماعيل باشا كبيرا في ميدان المواصلات حيث امتدت خطوط البرق لتصل إلى مسافة 48.000 ميل في السودان، بل إنها ربطت بين القاهرة والخرطوم في سنة 1869م. ووصلت بعض البواخر النيلية إلى الخرطوم حتى تصل إلى الجنوب.
مشاكل السودان تحت الحكم المصري
لم تكن محاولات الحكام الذين تولوا إدارة شؤون البلاد بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم، كما كانت الضرائب التي تشمل كل شيء وكل فرد، قد أرهقت المواطنين، وكان السودانيون قد كرهوا الظلم الذي حاق بهم، كما أن الطرق التي تتخذ مع الأهالي لإجبارهم على دفع الضرائب لم تكن إنسانية؛ لذلك فقد كانوا يتمنون الخلاص من ذلك الموقف الظالم على يد مصلح يطمئن النفوس، ويرفع الظلم.
الثورةُ المهديةُ وحروبُ الاستقلالِ
نشأة محمد المهدي
تنسب الثورة المهدية إلى مفجرها الزعيم الديني محمد أحمد المهدي (1844 - 1885م)، الذي ولد في شمالي السودان، وينتمي إلى قبيلة الأشراف التي استوطنت بالقرب من دنقلا.
وقد حفظ القرآن في صغره حيث التحق بالكتاب، وشب على اتباع شعائر الدين الإسلامي، ثم ما لبث أن رحل مع والده إلى كرري بالقرب من الخرطوم، وهناك ظل في متابعته لدراسته الدينية.
وكان من أساتذته الشيخ محمد الخير الذي اقتدى به وعمل في أرضه ليستخرج منها طعامه وشرابه. وكان يرى أن الضرائب التي تجمعها الحكومة من الناس هي نوع من الظلم الذي ينهى عنه الإسلام.
دعوة المهدي في السودان
وسافر المهدي إلى كردفان بغربي السودان، وهناك اتصل بعلماء الدين وطلب منهم الوقوف معه صفا واحدا، ثم عاد إلى جزيرة أبا، وأخذ يكتب لكل من سمع به من العلماء آملا منهم أن يناصروه في دعوته، وكان من بين من سمعوا تلك الدعوة، أستاذه محمد شريف نور الدائم الذي أبلغ حكمدار (أو حاكم) السودان بالأمر ليتخذ الخطوات اللازمة لكبح جماح محمد أحمد.
وبمجرد أن علم الحكمدار رءوف بما استقر عليه رأي محمد أحمد المهدي، خاصة وأنه دعاه شخصيا للإيمان بمهديته، رأى أن يولي الأمر أهمية أكبر؛ فأرسل أحد أعوانه وهو محمد أبو السعود إلى جزيرة أبا، ليثني المهدي عن قراره، ووصل أبو السعود الجزيرة في 11 رمضان 1298هـ، 7 أغسطس 1881م، وطالب المهدي أن يرجع عما هو ماض فيه، فنصحه المهدي بمبايعته وألا يترك الفرصة تفلت من يديه. رجع أبو السعود إلى الخرطوم وقد قرر أن يلجأ إلى القوة، ثم عاد إلى أبا بإحدى البواخر ومعه حوالي 200 جندي وبعض الضباط، وكان المهدي قد أخذ البيعة من تلاميذه، الذين تعهدوا بالوقوف معه حتى الموت، وحملوا في أيديهم ما وجدوا من سيوف، وتسلحوا بالعصي والحجارة.
وفي مساء 16، 17 رمضان 1298هـ، التحمت القوتان، وقاتل رجال المهدي ببسالة، وبعد وقت قصير قتلوا أغلب جنود الحكومة وبينهم أبو السعود، وفر الباقون نحو الباخرة التي أقلتهم نحو الخرطوم؛ وهكذا كانت بداية الثورة المهدية.
أسباب الثورة المهدية بالسودان
أسبابها دينية في المقام الأول؛ فقد رأى المهدي بعض الممارسات التي لا تمت للإسلام بصلة كالتبرك ببعض المشايخ، ولمس تدني الوازع الأخلاقي عند البعض، وشهد المستعمر يدنس أرض بلاده التي صنفها دار سلام (إسلام) مقابل دار الكفر، وكان الناس يعانون من قلة المال الذي في أيديهم؛ ولذلك رأوا في الضرائب التي اتسم بها عهد الحكم المصري ظلما لا يقره الإسلام، فضلا عن أن طريقة جمع الضرائب وما فيها من تعذيب، وما يقوم به الجنود الذين يجمعونها من تحقير للمواطنين، واستخفاف بهم، جعل تذمر الأهالي يشتد، وفي الوقت نفسه قوي مركز المهدي بوصفه عالما دينيا، استطاع أن يثير الحماس في مواطنيه.
انتصارات المهدي
بعد معركة أبا توقع المهدي أن ترسل الحكومة جيشا لكسر شوكته، ونصحه تلاميذه وأعوانه بالهجرة إلى كردفان، حيث يكثر الدعاة من العلماء ومن القبائل بعيدا عن العاصمة الخرطوم وجيوش الحكمدار، بالإضافة إلى محاولات الإداريين المحليين للقضاء على المهدي، وكان أول من حاول تعقب المهدي محمد سعيد باشا مدير مديرية كردفان، فخرج ببعض القوات لمقارعة المهدي، ولكن الملك آدم ملك تقلي قام بإطلاق الرصاص على القوة أثناء الليل، فخشي المدير على نفسه، وتراجع عن تعقب المهدي.
ثم حاول مدير فاشودة راشد بك أيمن ضرب المهدي، لكن الهزيمة حلت به، وقتل أثناء المعركة في 16 محرم 1299هـ، 9 ديسمبر 1881م، ثم بعث جيقلر باشا من الخرطوم بقوة عددها 6000 جندي تحت قيادة يوسف باشا الشلالي لمحاربة المهدي، في فجر 30 مايو 1882م وتمكن رجال المهدي من إبادة هذه القوة، والاستيلاء على أسلحة نارية كثيرة استعان بها المهدي في تثبيت أقدامه.
الثورة في أنحاء السودان
الجزيرة اصطلاح يطلقه السودانيون على المنطقة التي بين النيل الأبيض والنيل الأزرق، وهي منطقة آهلة بالسكان تكثر فيها مدارس القرآن، وقد عرف فيها المهدي بنسكه وتعبده، وقد ناصر أهاليها الحركة المهدية وكان على رأسهم الشيخ المكاشفي، ولحق به آخرون حتى كثر أتباع الحركة المهدية الذين عرفوا بالأنصار (أو أنصار المهدي) في هذه المنطقة وحاولوا بكل ما يملكون مقاومة الظلم. ولما كانت الجزيرة قريبة من الخرطوم، ومن الإمدادات والعساكر التي كانت في يد الحكمدار؛ فإن هذه المحاولات لم تصادف نجاحا عسكريا، لكنها أثارت الاضطرابات في البلاد، وبينما لقي المهدي وأنصاره عددا من الهزائم في وسط السودان، فإنه حقق نصرا حاسما في كردفان واستطاع أن يسقط مدينة الأبيض، ثم أرسلت الحكومة المصرية بإيعاز من بريطانيا جيشا يقوده البريطاني هكس لكن المهدي انتصر عليه وأباده إبادة تامة، بمن في ذلك قائده هكس؛ في معركة شيكان. وفي الوقت نفسه كان أمير آخر من أمراء المهدي، اسمه عثمان دقنة، يقود جيوش الأنصار في شرقي السودان ويضعف سلطة الحكومة، حائلا دون وصول أي إمدادات حكومية للخرطوم من سواكن.
عملية إخلاء السودان
رشحت الحكومة البريطانية غوردون لإتمام عملية سحب بقية الحاميات والمدنيين المصريين من السودان، وعرفت هذه العملية باسم عملية إخلاء السودان، وكانت مغادرته لمصر في 26 يناير سنة 1884م. ووصل بربر في 11 فبراير، ومن هناك أرسل كسوة شرف إلى المهدي، وأخبره أنه عينه سلطانا على كردفان، ثم وصل غوردون الخرطوم في 18 فبراير من السنة نفسها، ولكنه لم يحاول البدء في الإخلاء، إذ كان المهدي ما يزال بعيدا عن العاصمة، ثم خرج المهدي بجيش عرمرم من الأبيض متجها إلى الخرطوم، وتمكن من فرض الحصار عليها وما زال غوردون فيها، وتحت ضغط من الرأي العام البريطاني رأت الحكومة البريطانية أن ترسل حملة عسكرية لإنقاذ غوردون، خاصة وأن الطريق بينه وبين مصر قد أغلق؛ بسبب سقوط بربر في أيدي الثوار، واستقر رأي القادة الإنجليز على السير عن طريق النيل للوصول إلى غوردون، بدلا من سواكن ومنها إلى النيل حتى الخرطوم؛ وذلك لصعوبة الطريق، وهجوم عثمان دقنة المتوقع.
مواجهة المهدي للإنجليز
وتسابق كل من المهدي وجيش الإنقاذ البريطاني، فالمهدي يريد أن يسقط الخرطوم قبل وصول البعثة العسكرية البريطانية، والبريطانيون كانوا يريدون الوصول إلى غوردون قبل أن تخور قواه وقوى جنوده، وفي 26 يناير 1885م أمر المهدي جنوده بالهجوم العام على الخرطوم، وكان قائده الأمير عبد الرحمن النجومي، وانهزمت حامية الخرطوم، وقتل غوردون، ثم وصلت طلائع حملة الإنقاذ على بواخرها النيلية بعد يومين فقط من سقوط الخرطوم، فكانت خيبة أمل عظمى، فارتد بعدها الجيش المنقذ بعد أن فشل في مهمته من جراء المقاومة العنيفة التي وجدها خاصة في معركة أبي طليح. وبرغم ذلك استمرت بريطانيا تحارب شرقي السودان بعد أن سيطرت على ميناء سواكن.
المهدي يحكم السودان
تولى الإمام محمد أحمد المهدي حكم السودان، من أم درمان، التي عرفت آنذاك بالبقعة، وكان أول ما قام به هو الحكم بمقتضى الشريعة الإسلامية، فنظم الإدارة المالية لتطابق الشرع، وكانت أهم مصادره المالية الزكاة والغنائم والعشور، وأمر بإصدار عملة باسم حكومته، وذلك لمقابلة النقص في العملة المتداولة، واستخدم في ذلك الحلي الفضية والذهبية التي تم الاستيلاء عليها في الأبيض والخرطوم، وكان قد عين الأمراء الذين يقومون بحكم المناطق وقيادة الجيوش.
ولم تطل حياة المهدي بعد سقوط الخرطوم؛ لأنه توفي في يوم الجمعة 6 رمضان سنة 1302هـ، 26 يوليو 1885م.
عبدُ الله التعايشي خليفةٌ للمهدِي
الخليفة عبد الله في السودان
(من سنة 1885 - 1898م) أصبح عبد الله التعايشي خليفة للمهدي، وقد واجه نزاعات حادة كان من بينها النزاع مع الأشراف آل المهدي الذين لم يكونوا راضين عن خلافته، وخاصة زعيمهم الخليفة شريف، ولم يكن أبناء النيل أيضا، وهم أبناء الحضر والمدن، مقتنعين بخلافة عبد الله، إذ أنه من غربي السودان، وخشي الخليفة عبد الله من انقلاب الأشراف والحضريين، فأرسل إلى قبيلته (التعايشة) لمساندته في أم درمان حيث مقر عاصمته، ثم عمل جاهدا على إزاحة الأمراء السابقين الذين كانوا يميلون إلى آل المهدي، وعين أقرباءه بدلا منهم، وعندما لاحظ أن بعض العشائر تريد أن تفلت من زمام دولة المهدية عمد إلى إخضاعها وتأديبها بشيء من القسوة، واستطاع في آخر الأمر، أن يخضع كل القبائل السودانية، وأصبح حاكما قويا.
محن السودان
شهد السودان خلال هذه الفترة محنا شديدة، كان أكثرها تأثيرا مجاعة 1306هـ التي اجتاحت السودان في الفترة ما بين 1888 - 1890م، وكان منها أيضا كثرة الأطماع الأوروبية في السودان، حيث تقدم البلجيكيون ودخلوا دارفور وبحر الغزال في سنة 1894م، وفي 17 يوليو 1896م هاجم الإيطاليون كسلا، ودحروا القوة السودانية فيها، وتمكن الكابتن مارشان الفرنسي من التوغل في جنوبي السودان حتى استولى استيلاء مؤقتا على فاشودة في يوليو 1898م.
الغزو الإنجليزيُّ المصريُّ
الغزو الإنجليزي المصري
في إطار التسابق الأوروبي في إفريقيا، أرادت بريطانيا مشاركة مصر في السودان باسترداده؛ لذا فقد جهزت جيشا بقيادة كتشنر مكونا من بعض الفرق المصرية والبريطانية وبعض السود الذين كانوا في مصر؛ لغزو السودان.
تقدم الجيش في عام 1896م من الحدود المصرية نحو السودان بغرض الاستيلاء على الجزء الشمالي من البلاد حتى يصل في المرحلة الأولى إلى دنقلا، وكانت أولى المعارك في فركة، بينما كان الأنصار يؤدون صلاة الصبح، فقتل منهم حوالي 800 رجل، كما جرح نحو 500 آخرين، ووقع أكثر الباقين في الأسر، وكان عددهم حوالي 1600 جندي.
واستمر الجيش في زحفه نحو الجنوب، حتى وصل ببواخره وجنوده إلى دنقلا فانسحب منها الأمير محمد بشارة بعدما رأى جيشا يفوقه عددا وعدة.
وسقطت دنقلا في يد كتشنر وجيشه، ثم توقف الزحف ريثما تحل المشكلات المالية لتمويل الجيش عن الفترة القادمة والوصول إلى أم درمان، وبعدما تم الاتفاق على التمويل تقدم كتشنر حتى وصل إلى عطبرة في 8 أبريل 1898م، وبالقرب منها في معركة النخيلة، استطاع أن يهزم الأمير محمود ود أحمد الذي وقع أسيرا في أيدي الحملة.
موقعة كرري بالسودان
ثم تقدم الجيش بعد ذلك نحو أم درمان والتقى بالجيش السوداني بقيادة الخليفة عبد الله وكل كبار رجال الدولة في موقعة كرري شمالي أم درمان، وهناك، وفي يوم الجمعة 2 سبتمبر سنة 1898م، حصد الجيش الإنجليزي المصري المكون من 25.000 جندي، بمدافعه الرشاشة، جنود الجيش السوداني الذي كان يتكون من حوالي 50.000 مقاتل، وانتهت معركة كرري بهزيمة السودانيين، وأرسل كتشنر فرقة خيالته لدخول العاصمة السودانية أم درمان، لكن الأمير عثمان دقنة كان قد نصب لهم كمينا في أحد الأودية، وعندما نزلوا بخيلهم في الوادي فوجئوا بالأمير ورجاله يضربونهم بالسيوف ويطعنونهم بالرماح فقتل أكثرهم وفر الباقون، لكن الجيش دخل أم درمان.
اتفاقية حكم السودان
انسحب الخليفة إلى غربي السودان ليجمع رجالا ويدخل في معركة جديدة، وكان معه بعض ذوي الرأي من رجاله، وظلوا فترة من الوقت وهم يسيرون من مكان إلى آخر حتى وصلوا أم دبيكرات، وهناك لحقت بهم قوة من الجيش المصري الإنجليزي وقضت عليهم في عام 1899م، واستشهد فيها الخليفة عبد الله نفسه وأهم وزرائه.
أعد اللورد كرومر، المندوب السامي البريطاني في مصر، اتفاقية حكم السودان، وقد عرفت باتفاقية الحكم الثنائي (المصري الإنجليزي)، وفيها قرر أن يرشح البريطانيون حاكما عاما للسودان، يعينه ملك مصر.
الحكمُ الثنائيُّ
الإدارة البريطانية للسودان
بدأت الإدارة البريطانية في السودان من 2 سبتمبر 1898 إلى 31 ديسمبر 1955م، وتسمى هذه الفترة بفترة الحكم الثنائي، أي الحكم المصري الإنجليزي للسودان، وقد كان الحكم ثنائيا اسما وبريطانيا فعلا؛ فقد حكم البلاد حاكم عام بريطاني يعاونه بريطانيون يتولون أعلى الوظائف الإدارية في البلاد، بينما كان المصريون يتولون وظائف أقل منها أهمية، وكان هناك جيشان يقيمان في البلاد، بريطاني ومصري، واتسمت هذه الفترة بمظاهر هامة؛ فقد جعلوا من جنوبي السودان منطقة مقفولة بنص قانون اسمه قانون المناطق المقفولة وضع لهذا الغرض، يمنع دخول السودانيين الشماليين والمصريين فيه إلا في مهام رسمية أو بتصريحات خاصة، بينما كفلت الحرية التامة لدخول الجنوب والتجول فيه للأوروبيين، وحظر على الجنوبيين محاكاة الشماليين في الزي أو نمط الحياة، ويعد هذا القانون من أهم وسائل الفصل وعدم التمازج الحر بين الشماليين والجنوبيين إبان الحكم الثنائي.
الاهتمام بالسودان
أما المظهر الآخر الذي وضح في فترة الحكم الثنائي فهو قيام الإدارة البريطانية بتنظيم الأمن، وبناء عدد من المدارس وفتحها، وفتح كلية غوردون التذكارية، التي أصبحت فيما بعد جامعة الخرطوم الحالية، وتحسين سبل المواصلات، بإدخال السكك الحديدية، كما اهتمت بالزراعة، وشيدت خزان سنار، وجهزت مشروع الجزيرة، وشجعت قيام المشاريع الزراعية المروية بالمضخات على النيل، وأنشأت المستشفيات، وأدخلت المياه والكهرباء في المدن الكبيرة، ورفعت من مستوى المعيشة في البلاد، وكان الغرض الأساسي من مشروع الجزيرة هو زراعة القطن لتزويد مصانع النسيج البريطانية في لانكشاير بإنجلترا بالقطن لغزله ونسجه وبيع أقمشته، وكان معظم ما ذكر، على قلته، في شمالي السودان، لا يماثل بعضه شيئا في الجنوب سوى مشروع الزاندي.
ثورة 24 السودانية
ثار السودانيون ضد الاحتلال الأجنبي وقاموا بانتفاضات دينية احتجاجا على بعض الولاة غير المسلمين، ثم ظهرت فئة المتعلمين الذين أنشأوا بعض الجمعيات السرية المناهضة للإنجليز كجمعية اللواء الأبيض التي كانت تنادي باستقلال السودان، كذلك ثار طلبة الكلية الحربية في عام 1924م، واشتبكوا مع الجيش البريطاني في الخرطوم بالسلاح الناري بما يعرف في تاريخ السودان الحديث بثورة 24، ولمعت آنذاك أسماء مثل علي عبد اللطيف، وعبد الفضيل ألماظ، وعبيد حاج الأمين، وغيرهم.
عهدُ الاستقلالِ
المناداة بالاستقلال للسودان
قام مؤتمر الخريجين الذي كان يطالب بالاستقلال بالطرق السلمية، ونشأت الأحزاب من داخل المؤتمر، وانقسم السودانيون إلى اتحاديين يرون إقامة اتحاد مع مصر مع وجود سودان مستقل، وهذا هو الحزب الوطني الاتحادي، وفي الجانب الآخر الاستقلاليون بقيادة حزب الأمة الذي كان ينادي بالاستقلال التام، وكان يرعى الاتحاديين السيد علي الميرغني راعي طائفة الختمية، ويتزعم الحركة السياسية في حزبهم السيد إسماعيل الأزهري.
أما في الجانب الآخر فكان راعي حزب الأمة هو السيد عبد الرحمن المهدي، ابن الإمام المهدي مفجر الثورة المهدية.
وبعد قيام الثورة المصرية في 23 يوليو 1952م، أدى اللواء محمد نجيب، الذي كان رئيس جمهورية مصر آنذاك، دورا هاما في توحيد رأي الأحزاب السودانية في مستقبل السودان، بقبولها لإجراء انتخابات لفترة انتقالية لثلاث سنوات يجلو فيها الجيشان البريطاني والمصري عن السودان، ويقرر بعدها السودانيون مصير بلادهم السياسي، إما استقلالا تاما أو وحدة مع مصر، فعقدت الانتخابات في 1953م، وفاز الاتحاديون بأغلبية مقاعد البرلمان، وشكلوا أول حكومة سودانية برئاسة السيد إسماعيل الأزهري.
الانحياز إلى الاستقلال
ولكن، استجابة للمناداة بالاستقلال في صفوف الحزب الوطني الاتحادي ولضغوط من جبهة الأحزاب الاستقلالية، انحاز الحزب الوطني الاتحادي للاستقلال، وأعلن في البرلمان في اليوم الأول من يناير 1956م.
وأدى الإعلان إلى انشقاق الختمية وخروجهم عن الحزب الوطني الاتحادي، وأنشأوا حزبا جديدا هو حزب الشعب الديمقراطي برعاية السيد علي الميرغني، ورئاسة السيد علي عبد الرحمن الضرير، وإن كانت الحكومة المصرية آنذاك قد باركت الاستقلال، فإن ذلك الإعلان أدى إلى برود في العلاقات السياسية السودانية المصرية، زاد من حدته تعثر المفاوضات حول مياه النيل والتحرك المصري نحو بناء السد العالي بها.
حكومة الفريق عبود بالسودان
قام ائتلاف بين حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي بعد إسقاط حكومة الحزب الوطني الاتحادي، ورأس الحكومة الأميرالاي (بالمعاش) عبد الله خليل.
وبعد أن ضعفت هذه الحكومة وآلت للسقوط دعا رئيسها الجيش سرا للاستيلاء على السلطة في 17 نوفمبر 1958م بقيادة الفريق إبراهيم عبود، القائد العام للقوات المسلحة السودانية.
وقد شهدت الفترة السابقة لعبود، على قصرها، توسعا في «مشروع المناقل» الذي ضاعف الأرض المزروعة بالري الدائم، وسودنة الوظائف الإدارية الهامة.
ثورة أكتوبر الشعبية بالسودان
حكمت حكومة الفريق عبود السودان حكما عسكريا بديمقراطية رمزية ممثلة في المجلس المركزي الانتقالي، وذلك حتى أكتوبر 1964م، حين سقطت بثورة شعبية عرفت بثورة أكتوبر الشعبية التي ناصرها بعض ضباط الجيش، وبالرغم من سلبياتها فإن هذه الفترة شهدت بناء الخطوط الحديدية، والطرق البرية، وتوسعا في التعليم، إلى جانب تحسين العلاقات السياسية السودانية المصرية بتوقيع اتفاقية مياه النيل التي ترتب عليها مضي مصر قدما نحو بناء السد العالي.
حكومة السيد سر الختم الخليفة
قامت حكومة انتقالية برئاسة السيد سر الختم الخليفة وإن لم تكن موفقة تماما بطبيعة تكوينها المختلط، إلا أنها وفقت في عقد مؤتمر هام عن الجنوب، هو مؤتمر المائدة المستديرة، شاركت فيه كل الأطراف، الشمالية والجنوبية، السياسية وغير السياسية، تحت رعاية جامعة الخرطوم، عرضت فيه مشكلة الجنوب بأسلوب صريح لم يعرف من ذي قبل، وقدمت فيه توصيات إيجابية عن حلول مشكلته.
الاضطراب السياسي السوداني
وعقدت انتخابات عامة أثمرت في نهاية الأمر عن قيام حكومة ائتلافية بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة، فصار السيد إسماعيل الأزهري رئيسا للدولة بوصفه رئيسا لما كان يعرف بمجلس السيادة، بينما صار الأستاذ محمد أحمد محجوب رئيسا للوزراء ممثلا لحزب الأمة، وذلك لفترة قصيرة خلفه بعدها السيد الصادق المهدي، ابن حفيد الإمام محمد أحمد المهدي.
وإن كانت هذه الفترة قد شهدت ازدهارا اقتصاديا جيدا، إلا أنها تميزت بالاضطراب السياسي، من طرد لأعضاء الحزب الشيوعي من البرلمان ترتب عليه اشتراكهم في انقلاب مايو فيما بعد، إلى تعديلات مؤثرة في الدستور، كما تميزت هذه الفترة أيضا بعدم وئام بين السيد إسماعيل الأزهري والسيد الصادق المهدي، أثمر عن سقوط رئاسة السيد الصادق المهدي والشقاق في حزب الأمة بين جناحي الإمام الهادي والسيد الصادق المهدي وعودة الأستاذ محمد أحمد محجوب لرئاسة الوزارة مرة أخرى ممثلا لجناح الإمام الهادي، كما شهدت الفترة، خلال رئاسة الأخير للوزارة عقد مؤتمر الرؤساء والملوك العرب في الخرطوم في أعقاب العدوان الإسرائيلي في عام 1967م، والذي نتج عنه إزالة الخلاف بين الرئيس عبد الناصر والملك فيصل الناتج عن حرب اليمن، وتقديم الدعم المادي لمصر والأردن للتعويض عن الخسائر التي لحقت بهما في حرب يونيو والإعداد العسكري للمستقبل.
ولكن في مايو 1969م قام بعض الضباط السودانيين بانقلاب عسكري، وأعلن عن العقيد جعفر محمد نميري رئيسا لمجلس قيادة الثورة، وبابكر عوض الله رئيسا لمجلس الوزراء، في تحالف بين نميري واليساريين والقوميين العرب.
عهد نميري بالسودان
حدثت عدة محاولات انقلابية ضد حكم نميري كان من أهمها الانقلاب الشيوعي الذي قاد الرائد هاشم العطا حين أسقط نظام نميري واستولى على السلطة لمدة ثلاثة أيام، ولكن انقلابه انتهى بالفشل، وقامت بعد ذلك محاولات عسكرية للتغيير بتحريض من الأحزاب السياسية السودانية لكنها لم تنجح.
وقد شهد عهد نميري قرارات كان لها تأثيراتها الإيجابية والسلبية في البلاد، فقد شهد تأميمات غير موفقة، وتجربة فاشلة في حكم الحزب الواحد: الاتحاد الاشتراكي السوداني، لكن الإيجابيات التي حققها حكم نميري: الحكم الإقليمي المحلي، والتوسع في الطرق البرية، واتفاقية أديس أبابا في 1972م بين حكومته والقادة الجنوبيين لأنيانيا الأولى (وهي فرقة انفصالية جنوبية). وقد ضمنت هذه الاتفاقية حكما إقليميا ذاتيا لجنوب السودان، وهدوءا واستقرارا لفترة طويلة نسبيا، إلى جانب ذلك كان إعلان النميري إعلانا مفاجئا للعمل بما عرف بقوانين الشريعة الإسلامية بعد تحالفه مع جبهة الميثاق الإسلامي التي كان يقودها حسن الترابي ثم انقلابه على جبهة الميثاق بعد ذلك.
انتفاضة أبريل بالسودان
وبسبب تغييرات أحدثها نميري في حكم الجنوب مخالفة لبعض ما جاء في اتفاقية أديس أبابا، واشتعال الحرب في الجنوب مرة أخرى، وانهيار الاقتصاد وغير ذلك من أسباب، تحرك الشعب السوداني وثار في أبريل 1985م، فيما عرف بانتفاضة أبريل، ووقف الجيش مع الانتفاضة، فسقط نظام نميري وتولى المشير عبد الرحمن سوار الذهب، رئيس هيئة الأركان آنذاك، رئاسة الدولة بوزارة عسكرية مدنية رئيسها مدني هو الدكتور الجزولي دفع الله، بالتزام بألا تجاوز فترة الحكومة الانتقالية العام الواحد، تعقد بعدها انتخابات لتتسلم الحكم حكومة مدنية، وقد تم ذلك كله.
حكومة الصادق المهدي بالسودان
جرت انتخابات عامة حرة، لم تثمر عن أغلبية مطلقة لأي حزب من الأحزاب المتنافسة، فكونت حكومة برئاسة السيد الصادق المهدي مؤلفة من حزبه (أو حزب الأمة) والحزب الاتحادي الديمقراطي، والأخير هو الحزب الوطني الاتحادي القديم بعد ضم جناحيه، الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، مع تمثيل غير يسير للجبهة القومية الإسلامية (أو جبهة الميثاق سابقا)، التي تزعمت المعارضة. ومن أهم الأمور التي واجهت الحكومة والمعارضة إنعاش الاقتصاد المنهار، وإيقاف الحرب في الجنوب والبت في العمل بقوانين الشريعة الإسلامية التي أصدرها نميري أو إبطالها، وتمت محاولتان لإنهاء حرب الجنوب ممثلتان في اتفاق كوكادام بإثيوبيا في 1987م واتفاق الميرغني - قرنق في سنة 1988م، مع قرار في الجمعية التأسيسية (أو البرلمان) بتجميد قوانين الشريعة الإسلامية، وعارضت الجبهة القومية الإسلامية جميع هذه الأشياء.
ثورة الإنقاذ الوطني بالسودان
في 30 يونيو 1989م وقع انقلاب عسكري بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير، باسم ثورة الإنقاذ الوطني، مشكلة حكومة الإنقاذ الوطني، بدعم سياسي من الجبهة القومية الإسلامية، ومما أعلنته حكومة الإنقاذ الوطني التوجه الإسلامي في الحكم، ووعود بإجراء تغييرات في التعليم توسعا وتعريبا، والسعي لحل مشكلة الجنوب، وعرضت حكما فيدراليا يستثنى فيه الجنوب من حكم الشريعة الإسلامية، كما سخرت طاقاتها لمحاربة الجيش الشعبي لتحرير السودان، وتمكنت من السيطرة على معظم الجنوب، ولكن الحرب أثمرت عن مزيد من عدم الاستقرار في الجنوب وإرهاق مادي للبلاد، وتمكنت الحكومة السودانية من إبرام اتفاقية الخرطوم للسلام مع أغلب الفصائل المتمردة في 21 أبريل 1997م، وعملت على إقرار دستور للبلاد في عام 1998م.
عهد عمر البشير بالسودان
في ديسمبر 1999م، أقصى رئيس الجمهورية الفريق عمر البشير رئيس المجلس الوطني الشيخ حسن الترابي وحل البرلمان وأعلن حالة الطوارئ بعد خلاف حول توزيع بعض السلطات أهمها تعيين الولاة. وقد كرس الترابي لانقسام الحزب الحاكم (أو المؤتمر الوطني) بإنشاء حزب جديد أطلق عليه اسم حزب المؤتمر الشعبي.
وقد زج بالترابي في السجن بعد أن أبرم اتفاقا مع جون قرنق لتقويض السلطة في الخرطوم.
وما تزال الحكومة تسعى جاهدة في استقطاب المعارضة خاصة بعد نجاحها في عودة نائب رئيس حزب الأمة عمر نور الدائم ثم رئس الحزب الصادق المهدي.
وعلى الصعيد الخارجي نجحت الحكومة (إلى حد كبير) في تحسين علاقاتها الخارجية خاصة مع الدول العربية الشقيقة بعد الفتور الذي لازم هذه العلاقات في أعقاب حرب الخليج الثانية، إلا أن البلاد ما زالت تعاني من الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الأمم المتحدة على السودان منذ عام 1996م.
المعالِمُ الجغرافيةُ
السطحُ
جغرافيا السودان
يقع السودان في شمال شرقي قارة إفريقيا، ويمتد على مساحة تبلغ 2.505.813 كم²، وتغطي السهول والمستنقعات والصحاري معظم هذه المساحة.
وللسودان واجهة بحرية على البحر الأحمر مكنت البلاد منذ القدم من الاتصال التجاري والتفاعل الحضاري مع الأمم الأخرى، وللسودان حدود برية طويلة مع جيرانه تصل أطوالها إلى أكثر من 7000 كم؛ مما يجعل أمر مراقبتها في غاية الصعوبة، كما أن طول الحدود يزيد من توتر العلاقات مع الدول المجاورة في حالة النـزاع حول هذه الحدود.
تنوع الظروف الجغرافية بالسودان
تتنوع الظروف الجغرافية من الصحاري في شمالي البلاد إلى المستنقعات والمناخ شبه الاستوائي في الأجزاء الجنوبية، ويتميز السودان بسهوله الشاسعة التي يقل ارتفاعها عن 500 متر فوق مستوى سطح البحر، أما المرتفعات الجبلية فتغطي مساحات محدودة تتمثل في جبال النوبة في جنوب كردفان، وجبل مرة في دارفور، وجبال الأماتونج في شرق الاستوائية، وجبال البحر الأحمر.
تضاريس سطح السودان
يزيد ارتفاع القمم الجبلية على 3000 متر فوق مستوى سطح البحر في منطقة جبل مرة، وجبل كنيتي في شرق الاستوائية فقط، وتزيد ارتفاعات بعض القمم الجبلية في منطقة البحر الأحمر على 2000 متر، وفي منطقة جبال النوبة على 1000 متر فوق مستوى سطح البحر.
ويمكن تقسيم السودان من حيث التركيب الجيولوجي إلى قسمين هما: الصخور القاعدية، وهي صخور صلبة تشكل جزءا من قارة جندوانا القديمة.
وصخور الرمل النوبي التي تغطي مساحات شاسعة من شمالي البلاد خاصة الأجزاء الصحراوية، وقد تراكمت فوق هذه التركيبات الصخرية عبر آلاف السنين طبقات من الرمل والصلصال فوق مساحات واسعة من السودان.
التربة الفيضية بالسودان
توجد التربة الفيضية على ضفاف النيل وروافده، وتنتمي هذه التربة في سهلي الجزيرة والبطانة إلى نوع تربة الحشائش المدارية السوداء ذات الخصوبة العالية، وقد دلت بعض الدراسات على أن التربة في هذين السهلين من رواسب النيل وروافده عندما كان النهر يغير مجراه مرات عديدة في مراحل سابقة، كما تنتشر تربة القوز في غربي السودان في منطقتي كردفان ودارفور.
ويشكل النيل وروافده أهم الظواهر الجغرافية في البلاد؛ حيث إن السودان برمته يقع ضمن حوض النيل، وعلى الرغم من أن النيل الأبيض يأتي بمعظم المياه الجارية في فصل الجفاف، إلا أن فيضان النيل يعتمد أساسًا على مياه النيل الأزرق، فبينما يتراوح صرف النيل الأبيض حول 500م3/ثانية في فصل الفيضان، نجد صرف النيل الأزرق ينخفض في فصل الجفاف إلى 100م3/ثانية، ثم يرتفع إلى 6.300م3/ثانية في فصل الفيضان بنهاية شهر أغسطس.
وادِي النيلُ
وادي النيل بالسودان
يجري النيل في السودان بين دائرتي عرض 4° و 22° شمالا، حيث يبدأ النهر من الهضبة الاستوائية، وينحدر في سهول السودان عند دائرة عرض 4° شمالا عند بلدة نيمولي، ويعرف عند دخوله إلى السودان من الهضبة الاستوائية ببحر الجبل، ويجري في حوض شبه مغلق حتى يلتقي مع بحر العرب القادم من الغرب ومياه بحر الغزال، حيث تصب جميعها في منطقة السدود، وتغذي العديد من الروافد المنحدرة من منطقة تقسيم المياه بين النيل والكونغو هذه الأنهار الثلاثة.
منطقة السدود بالسودان
تغطي منطقة السدود - وهي منطقة مستنقعات مثلثة الشكل تزيد مساحتها على 8000 كم² مساحة كبيرة من مجاري الأنهار في جنوبي السودان؛ مما يعرقل حركة الملاحة النهرية، ويساعد على انتشار الحشرات الناقلة للأمراض؛ ثم يخرج النهر من منطقة السدود ليلتقي بنهر السوباط، وهو الرافد الوحيد للنيل الاستوائي الذي ينحدر من جنوب الهضبة الإثيوبية.
ويقال لولا نهر السوباط لما تمكن النيل الأبيض من حفر مجراه إلى الخرطوم؛ ذلك لأن مياه بحر الجبل قليلة وبطيئة لقلة الانحدار، ويعوض السوباط كل المياه التي يفقدها النيل الأبيض في منطقة السدود وهي 1.3 مليار م3 في السنة، ويتجه النهر بعد التقائه بالسوباط شمالا، حيث يعرف بالنيل الأبيض، وينحدر النيل الأزرق وروافده بقوة من الهضبة الإثيوبية حاملا معه مياه الفيضان الوفيرة والطمي الذي يجدد خصوبة الوادي سنويا.
أهمية النيل الأزرق
قيل قديما: إن مصر هبة النيل، ولكن الواقع أن مصر هبة النيل الأزرق فلولاه لانتهى النهر الاستوائي داخليا في الصحراء قبل أن يصل إلى البحر المتوسط.
وينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في إثيوبيا، كما أن روافده العليا تأتي من أماكن متفرقة من الهضبة الإثيوبية، ومن أهم روافد النيل الأزرق نهرا الدندر والرهد وينبعان في الهضبة الإثيوبية، ويصبان في النيل الأزرق إلى جنوب مدينة واد مدني، ويجري النيل الأزرق شمالا، حتى يلتقي بالنيل الأبيض عند مدينة الخرطوم في نقطة المقرن، وبعد اختلاط مياه النيلين عند مدينة الخرطوم يتجه النهر شمالا ويعرف باسم نهر النيل الذي يصب في البحر المتوسط.
وآخر روافده هو نهر عطبرة الذي يصب في النيل إلى جنوب مدينة عطبرة مباشرة عند دائرة عرض 18° شمالا.
ونهر عطبرة أيضا ينبع من الهضبة الإثيوبية، ويندفع بقوة حاملا معه المياه الوفيرة، والطمي، وهو من الأنهار غير الدائمة الجريان، إذ يجف لمدة خمسة أشهر في السنة من يناير حتى مايو، ثم يعاود الجريان في شهر يونيو، ويصل الفيضان إلى ذروته في أغسطس، ومعدل تصريفه السنوي 380م3/ثانية.
محور النماء والتطور في السودان
وعمومًا يعتبر النيل وروافده في السودان محور نماء وتطور واستقرار منذ آلاف السنين، ويشكل المحور النيلي ثقلا سكانيا واقتصاديا بارزا؛ حيث تنتشر المشروعات الزراعية والصناعية والمدن الكبرى والقرى التي لا تنقطع على ضفاف الأنهار، وتكثر مظاهر الحياة والعمران على ضفاف النيل خاصة في شمالي مدينة الخرطوم، حيث يصبح الوادي شريان الحياة الوحيد وسط هذه المنطقة القاحلة، أما أرض الجزيرة التي تقع بين النيلين فهي أرض مستوية مكونة من الصلصال الداكن اللون ذي الخصوبة العالية، وتعتبر الجزيرة أهم منطقة في السودان من الناحية الاقتصادية والسكانية؛ حيث يوجد بها مشروع الجزيرة العملاق (2 مليون فدان) والذي يعد من أكبر مشروعات الري في العالم، ويشكل المشروع عصب الاقتصاد السوداني؛ حيث ينتج المحاصيل الزراعية الغذائية والنقدية للأسواق المحلية والعالمية.
شرقي السودانِ
منطقة شرقي السودان
وهذه المنطقة تشمل كل المناطق الواقعة شرقي النيل ومنها سهل البطانة، ومنطقة البحر الأحمر والصحراء، ويشتمل سهل البطانة على السهول الطينية الممتدة بين نهري النيل وعطبرة، وهي سهول خصبة لكنها شحيحة المياه؛ لذا ظلت منطقة رعي للقبائل العربية كالشكرية والرشايدة وغيرهما من القبائل الرعوية حتى أدخلت مشروعات الزراعة الآلية في نهاية الأربعينات من القرن العشرين الميلادي في منطقة القضارف.
وتنتج مشروعات الزراعة الآلية العديد من المحاصيل على رأسها الذرة الرفيعة والسمسم والقطن. وقد وصل إنتاج الذرة في عام 1996م حوالي 4.104.000 طن، يستهلك معظمه محليا لكونه الغذاء الرئيسي للسكان، ويصدر الباقي للدول الخارجية، من أهمها اليابان في الآونة الأخيرة.
الزراعة السودانية
تعتمد الزراعة الآلية على الأمطار التي تزيد غزارتها كلما اتجهنا شمالا، أما المشروع الزراعي الآخر في المنطقة فهو مشروع خشم القربة الذي أنشئ أساسا لإعادة توطين أهالي وادي حلفا الذين تضرروا من غمر أراضيهم بالمياه بعد بناء السد العالي في مصر. وقد أسس مشروع خشم القربة على نمط مشروع الجزيرة.
ومن أهم المحاصيل في الدورة الزراعية القطن والقمح. وبالإضافة لهذا المشروع فإن هناك مشروعا آخر لإنتاج السكر وتصنيعه يستفيد من مشروعات الري نفسها التي أقيمت بعد إنشاء سد خشم القربة، وبالإضافة إلى السكان المهجرين من منطقة وادي حلفا تستفيد مجموعة قبائل من المنطقة، كقبائل الشكرية والرشايدة والبجة من المشروع، وجميعها قبائل رعوية. فقد خصصت الحكومة لكل فئة مزارع خاصة بها في مشروع خشم القربة الزراعي.
السهول السودانية
ومن المظاهر الجغرافية إلى الشمال من سهل البطانة: جبال البحر الأحمر والسهل الساحلي والصحاري، ويبلغ أقصى اتساع للسهل الساحلي عند طوكر ودلتا خور البركة، وينبع خور البركة من مرتفعات إريتريا ويجري نحو الشمال لمسافة 500 كم ويروي الخور وروافده مساحة قدرها 35 ألف كم² ويقع الجزء الأكبر منها في إريتريا، وتحف بخور البركة تلال حصوية ورملية في السودان ترتفع نحو جبال البحر الأحمر، وتبلغ مساحة دلتا طوكر عند مصب الخور في البحر 150 ألف هكتار نصفها صالح للزراعة، ويندفع خور البركة في زمن الفيضان بقوة حاملا معه المياه والطمي اللذين يساعدان على الزراعة في الدلتا كل عام.
خور القاش ودلتا كسلا بالسودان
وبالإضافة إلى دلتا طوكر هناك خور القاش ودلتا كسلا الواقعة إلى جنوبي طوكر وشمالي مشروع خشم القربة في شرقي السودان، وينبع خور القاش أيضا من إريتريا، وهو خور شديد الانحدار في أطرافه العليا ولكن عند دخوله إلى السودان يكون في مستوى السهل الذي يجري فيه؛ لذا فإنه يغطي مساحات كبيرة على جانبيه في وقت الفيضان، ويشكل القاش دلتا مروحية عند مدينة كسلا، وتتكون الدلتا من طمي شديد الخصوبة، وبعض ترب الدلتا من النوع الرملي. وتستغل الدلتا في الزراعة خاصة الزراعة البستانية لإنتاج الفاكهة والخضراوات.
جبال البحر الأحمر بالسودان
أما جبال البحر الأحمر فهي سلسلة قليلة الارتفاع، إلا أن بعض القمم الجبلية تزيد على 2000 متر فوق مستوى سطح البحر، وتتكون هذه الجبال من صخور نارية ومتحولة، استطاعت بصلابتها مقاومة عوامل النحت والتعرية، وقد تكونت سلسلة الجبال نتيجة لتصدع البحر الأحمر جزءا من الأخدود الإفريقي العظيم.
وإلى جهة الغرب من جبال البحر الأحمر توجد هضبة مكونة من الحجر الرملي النوبي تتخللها الأودية والأخاديد التي كونتها التعرية المائية في عصور قديمة، وتقع هذه المنطقة ضمن الصحراء الكبرى، وتمثل الهضبة سهلا مسطحا تغطيه الرمال والحصى وهو أكثر جهات السودان جفافا، وتسمى الصحراء الواقعة في ثنية النيل النوبي بصحراء العتمور.
غربِي السودانِ
غربي السودان
تقع في هضاب غرب النيل جبال النوبة التي تتكون من صخور جرانيتية ترتفع في سهل صلصالي، ويصل ارتفاعها في المتوسط 600 متر فوق مستوى سطح البحر، بينما يصل ارتفاع قمم بعض جبالها إلى حوالي 1500 متر فوق مستوى سطح البحر، وينحدر من هذه المرتفعات العديد من الأودية التي يصب معظمها جهة الجنوب.
وتتراوح تربة المنطقة بين الرملية والصلصالية، ويغطي الحجر الرملي الجهات الشمالية من منطقة جبال النوبة ثم تأتي بعدها تربة القوز، وهي تربة رملية حمراء خصبة، وتنتشر تربة القوز عبر مساحات كبيرة في غربي السودان في ولايتي كردفان ودارفور، وتستغل هذه التربة في الزراعة في فصل الأمطار، وإلى الغرب من أراضي القوز وإلى الشمال توجد هضاب دارفور وتنحدر معظم أوديتها نحو بحر العرب، وكثيرا ما تظهر الصخور القاعدية على السطح.
سلسلة جبل مرة بالسودان
أما سلسلة جبل مرة فتتكون من صخور بركانية، ويبلغ ارتفاع الهضبة 900 متر فوق مستوى سطح البحر، بينما يزيد ارتفاع السلسلة الجبلية في أعلى قمة لها على 3000 متر فوق مستوى سطح البحر، وتغطي منطقة جبل مرة مساحة قدرها 5000 كم².
المناخُ
تنوع المناخ السوادني
إن امتداد أرض السودان بين دائرتي عرض 4°و 22° شمالا، يجعل البلاد تتمتع بمناخات متنوعة، تتأرجح بين المناخ المداري الرطب في جنوبي البلاد، والمناخ الصحراوي الجاف في شمالي البلاد، وعموما تتمتع البلاد بمناخ حار طوال أشهر السنة وأمطار صيفية موسمية عدا ساحل البحر الأحمر الذي تكون أمطاره شتوية متأثرة بمناخ البحر المتوسط.
وأمطار السودان فصلية تسقط في فصل الصيف وترتبط بتوغل الرياح الجنوبية الرطبة شمالا، ويرتبط المطر بحركة الفاصل المداري وهو الحزام أو الجبهة التي تفصل بين الهواء الرطب القادم من المحيطات الجنوبية والهواء الحار الجاف القادم من الشمال.
وتتراوح شهور المطر من عشرة شهور في جنوبي البلاد، إلى شهر واحد في الجهات الشمالية عند دائرة عرض 20° شمالا.
فبينما تزيد كميات الأمطار السنوية على 1500 ملم في جنوبي السودان، فإنها تقل عن 5 ملم في الحدود الشمالية عند مدينة وادي حلفا.
أمطار السودان
يقل متوسط الأمطار السنوي عند مدينة الخرطوم عند دائرة عرض 15° شمالا على 200 ملم؛ مما يؤكد هيمنة المناخ الصحراوي في الجهات الواقعة إلى شمالي المدينة، وتتميز أمطار السودان خاصة في الأجزاء الوسطى والشمالية بذبذباتها العالية من سنة لأخرى؛ مما يؤثر على النشاط الزراعي والإنتاج بصورة سلبية في السنين التي يشح فيها المطر، وعلى الرغم من أن درجات الحرارة تكون عالية في معظم شهور السنة، إلا أنها تكون مرتفعة جدا في فصل الصيف الجاف كلما اتجهنا شمالا، بحيث تزيد النهاية العظمى لدرجة الحرارة عن 40°م.
وتتراوح درجات الحرارة عادة بين 32°م و 38°م في معظم شهور السنة بمدينة الخرطوم، وقد ترتفع في أشهر الصيف الجاف فوق 40°م، وتنخفض دون 10°م في أشهر الشتاء أحيانا.
وقد تنخفض الرطوبة النسبية في مدينة الخرطوم في أشهر الصيف الجاف (من أبريل إلى يونيو) إلى أقل من 15% في وسط النهار.
كما تزيد نسبة الرياح والعواصف الرملية والغبار في أشهر الصيف الجاف في جهات واسعة من وسط وشمالي البلاد؛ مما يؤثر على الراحة والرؤية.
الغطاء النباتي في السودان
تسقط معظم أمطار السودان الأوسط والشمالي في الفترة الواقعة بين يوليو وسبتمبر، وعادة ما يقل عدد الأيام الممطرة كلما توجهنا من الجنوب إلى الشمال، وبما أن أمطار السودان تسقط في فصل الصيف فإن القيمة الفعلية للمطر تكون قليلة؛ حيث إن معظم المياه الساقطة تفقد؛ بسبب عمليات التبخر.
ويتأثر الغطاء النباتي تبعا لذلك بالقيمة الفعلية للمطر، وتتدرج النباتات من النوع المداري في جنوبي البلاد، حيث تغطي الغابات المدارية مساحات محدودة في منطقة الحدود مع أوغندا وكينيا وزائير، وتلي هذه الغابات مناطق المستنقعات والسافانا الطويلة، ثم السافانا القصيرة التي تغطي معظم وسط البلاد، ثم النباتات شبه الصحراوية والصحراوية في شمالي البلاد.
الري بمياه الأمطار في السودان
وعموما يمكن القول إن كميات الأمطار الساقطة إلى جنوب دائرة العرض 10° شمالا والتي تتراوح بين 1000 و 1500 ملم، تجعل الزراعة البعلية (أي الري بمياه الأمطار) ناجحة، ولكن هذا الجزء من البلاد تسكنه جماعات بشرية تحترف مهنتي الصيد النهري والرعي التقليدي، بالإضافة إلى وجود مساحات كبيرة تغطيها المستنقعات.
وتساعد البيئة الجغرافية في جنوبي السودان على تفشي أمراض عديدة منها: الملاريا، ومرض النوم، والبلهارسيا، وداء الفيل، ومرض اليوز، ومرض عمى النهر إلى غيرها من أمراض المناطق الحارة.
وبسبب الحرب الأهلية التي بدأت في عام 1983م فقد تم تدمير معظم المنشآت بما فيها المرافق الصحية، وتدهورت صحة البيئة، إضافة إلى النقص الحاد في الغذاء وتفشي أمراض سوء التغذية، أما المنطقة الوسطى من السودان، والواقعة بين دائرتي عرض 10° و15° شمالا، فتمثل المحور السكاني الثاني بعد أودية النيل وروافده، وهي المنطقة التي تضم معظم المشروعات الإنتاجية في البلاد.
الأمطار في الحزام الأوسط السوداني
في هذا الحزام الأوسط تتراوح الأمطار بين 900 ملم و300 ملم في السنة، وتجعل بالإمكان إنتاج المحاصيل الزراعية بعليا وبالري من الأنهار، وكذلك رعي الحيوان اعتمادا على المراعي الطبيعية، ويتم في هذه المنطقة الوسطى إنتاج معظم المحاصيل الغذائية والنقدية التي تجد طريقها إلى الأسواق المحلية والعالمية.
أما أجزاء البلاد الواقعة إلى شمال دائرة العرض 15° شمالا، حيث تقل كميات المطر السنوي عن 200 ملم، فتعتمد الزراعة على الري من النيل الذي يشكل واحة كبرى وسط الصحراء المترامية الأطراف.
ويمكن تقسيم السودان إلى ثلاثة أقاليم جغرافية هي: وادي النيل، وشرقي السودان، وغربي السودان.
الاقتصادُ
الاقتصادُ
الاقتصاد السوداني
يعتبر السودان من دول العالم الأقل نموا، بيد أن البلاد تزخر بإمكانات اقتصادية هائلة تتمثل في الموارد الطبيعية الوفيرة، وتكمن المشكلة الاقتصادية في عدم توافر رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار من مصادرها الداخلية والخارجية؛ فالسودان بأرضه الشاسعة ومياهه المتدفقة في الأنهار يحتاج لرؤوس أموال كبيرة لإنشاء السدود وشبكات الري والاستفادة من التقنيات الزراعية الحديثة.
تصدير السلع الأولية
عموما ظل السودان لبعض الوقت يعتمد على تصدير السلع الأولية واستيراد السلع المصنعة من الدول الخارجية حتى اكتمل الأنبوب النفطي، 1610كم، وبدأ التصدير بنهاية 1999م وحقق ما قيمته مليار دولار أمريكي من صادرات النفط في عام 2000م. وقد كانت مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج الوطني الإجمالي لعام 1993 / 1994م على النحو التالي: جانب من السوق الشعبي حيث الخضراوات الطازجة من كل نوع. الخدمات والتجارة 37.1%. الزراعة 37.1%. الصناعة 9.4%.
استيراد الوقود السوداني من الخارج
على الرغم من أن السودان ينتج القدرة الكهرومائية من خزان الروصيرص على النيل الأزرق، إلا أنه يعتمد بشكل أساسي على استيراد الوقود من الخارج.
ويشكل النفط ومنتجاته أكثر السلع المستوردة تكلفة بحيث تصل قيمة هذه السلع حوالي 400 مليون دولار سنويا.
ويعاني السودان عجزا كبيرا في ميزانه التجاري لسنوات عديدة؛ مما يؤكد ضعف الاقتصاد الذي يعتبر اقتصادا زراعيا أحاديا.
ومن جملة ما يؤثر على ضعف القطاعات الإنتاجية ضعف البنيات التحتية من شبكات النقل والمواصلات، وكذلك العجز في إنتاج الطاقة والمياه النقية وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية بالقدر المطلوب.
وفي السودان الذي تزيد مساحته على 2.5 مليون كم² لا تتعدى أطوال السكك الحديدية 4764كم، والطرق المعبدة لا تتعدى 2000كم، والأنهار الصالحة للملاحة 2000كم.
من مشكلات السودان الاقتصادية
وحتى عهد قريب ظل ميناء «بورتسودان» الميناء البحري الوحيد لشحن وتفريغ جميع الصادرات والواردات، حتى افتتح مؤخرا ميناء عثمان دقنة في مرفأ سواكن القديم للمساعدة في حركة التجارة الخارجية.
كما تعاني شبكة النقل الجوي الداخلي ضعفا شديدا في عدد الطائرات والمطارات المجهزة في بلد مترامي الأطراف، أما الخدمات الصحية فهي لا تتناسب مع حجم السكان الذي فاق 30 مليونا، وتنتشر الأمراض البيئية والوبائية وأمراض سوء التغذية في جميع أنحاء البلاد حتى إنها أصبحت معوقا من معوقات التنمية.
الزراعةُ
الزراعة السودانية
تقدر الأراضي الزراعية ذات الترب الخصبة بحوالي 200 مليون فدان، يستغل منها السودان حوالي 15% فقط في القطاعات الزراعية الحديثة والتقليدية، فبينما تقوم كل من القطاعات الزراعية الحديثة والتقليدية بإنتاج المحاصيل الغذائية والنقدية يهيمن القطاع الزراعي الحديث على إنتاج المحاصيل التي تصدر إلى الأسواق العالمية.
وينتج معظم الذرة وهو المحصول الغذائي الرئيسي في البلاد في مشروعات الزراعة الآلية في شرقي السودان، حيث وصل الإنتاج في موسم 1996م حوالي 4.104.000 طن.
أما القطن طويل التيلة فيتم إنتاجه في مشروع الجزيرة ويصدر للخارج. وفي عام 1996م شكل القطن 18% من قيمة صادرات البلاد، والسمسم 23%.
الصناعةُ
الصناعة السودانية
يعد القطاع الصناعي صغيرا جدا، ومعظم الصناعات من نوع الصناعات التحويلية، وأهمها: الصناعات الغذائية، وصناعة الغزل والنسيج. وترتكز السياسات الصناعية على صناعات إحلال الواردات، وتعاني القطاعات الصناعية، التي يتركز معظمها في العاصمة القومية، من مشكلات توفير الطاقة وقطع الغيار.
الثرواتُ الأُخْرَى
التعدين السوداني
الإنتاج المعدني ضئيل جدا، وقد اكتشف النفط بكميات محدودة في غربي البلاد وجنوبيها، حيث بلغ الإنتاج في حقول هجليج والوحدة و«أبو جابرة» وشارف 38 ألف برميل في اليوم في عام 1998م. ومنحت الحكومة مؤخرا بعض الشركات الوطنية والأجنبية حق التنقيب عن المعادن والنفط في جهات متفرقة من البلاد.
الثروة الحيوانية السودانية
يتميز السودان بثروة حيوانية ضخمة تجعله من أكبر أقطار إفريقيا امتلاكا لها، وتقدر هذه الثروة كالتالي: 26 مليون رأس من الأغنام، 25 مليون رأس من الماعز، 22.7 مليون رأس من الأبقار، 35 مليون رأس من الإبل، 35 مليون دجاجة.
ويتوافر في السودان ثروة سمكية كبيرة توجد بالمسطحات المائية المقدرة بحوالي 42 مليون متر مربع.
النقل والمواصلات السودانية
يعتبر قطاع النقل في بلد شاسع كالسودان الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بالربط بين تجمعات السكان ومراكز الاستهلاك ومنافذ التصدير.
وأهم المرافق في هذا القطاع هي: السكك الحديدية، والنقل النهري والجوي والبحري.
السكك الحديدية: بدأت خدماتها في عام 1896م، وتعتبر ثاني أكبر شبكة في القارة الإفريقية 4.764 كم، وهي تغطي كل القطر من بورتسودان شرقا إلى نيالا غربا ومن وادي حلفا شمالا إلى «واو» جنوبا، وقد لازم السكك الحديدية بعض التدهور المالي، بدأت تتخلص منه بعد التحويل إلى الأسس التجارية البحتة وإسقاط ديونها.
النقل النهري السوداني
تقوم هيئة النقل النهري بنقل الركاب والبضائع والوقود على النيل الأبيض، كوستي - جوبا، (1.436كم) كل أيام السنة، الخرطوم - كوستي (400كم) حسب الحاجة، على نهر السوباط ملكال - الناصر - جامبيلا (570كم)، وعلى النيل الأزرق السوكي - الروصيرص (210كم) وعلى نهر النيل الخرطوم - شندي - عطبرة، خلال فصل الفيضان. وتمتلك هيئة النقل النهري أكبر أسطول نهري في إفريقيا.
النقل الجوي السوداني
في عام 1936م أنشئت هيئة الطيران المدني، ثم تحولت إلى وزارة الطيران والمساحة في عام 1985م، ويتكون أسطولها من 14 طائرة، وتتنوع أنواع الطائرات بين إيربص، وبوينج، وفوكرز، وتقوم بنحو 2028 رحلة خارجية مجدولة ونحو 505 رحلات غير مجدولة في العام، والمحطات الداخلية تبلغ 16 محطة موزعة على معظم الولايات السودانية.
النقل البحري السوداني: في عام 1959م تم إنشاء الخطوط البحرية، ويتكون أسطول الشركة من تسع بواخر تجوب موانئ البحر المتوسط والبحر الأدرياتيكي والبحر الأحمر.
الاتصالات السودانية
يوجد في السودان تسع صحف منها 5 صحف يومية، وعدد من الصحف الرياضية، وتمتلك الدولة أغلب أسهم صحيفتي السودان الحديث والإنقاذ الوطني. وفي عام 1940م بدأ البث الإذاعي، ويوجد بالسودان 18 محطة تتوزع على الولايات السودانية. وفي عام 1963م بدأ البث التلفازي، وبدأت الفضائية السودانية بثها في عام 1996م.
وقد عملت الشركة السودانية للاتصالات المحدودة (سوداتيل)، التي تأسست في عام 1994م، وتمتلك الحكومة السودانية 68.8% من رأسمالها، على تطوير شبكات الاتصال في البلاد حيث وصل عدد خطوط الهاتف إلى 109.000 خط بعد أن كان 75.000 خط.
 كما أن الشركة وفرت 1000 خط للهاتف المحمول في عام 1995م، وأكملت الدولة تشغيل شبكة الإنترنت وفتحت الاشتراك للأفراد والمؤسسات.
عَلَمُ الدولةِ وشعارُهَا
عَلَمُ الدولةِ وشعارُهَا


ألوان العلم السوداني
يشير اللون الأحمر إلى الثورة الشعبية، والكفاح لنيل الاستقلال ودم الأحرار، ويشير الأخضر إلى الزراعة والازدهار، ويشير الأسود إلى اسم البلاد، ويشير الأبيض إلى الإسلام والسلام.
النشيدُ الوطنِيُّ
النشيدُ الوطنيُّ
النشيد الوطني السوداني
نحن جند الله جند الوطن
إن دعا داع الفدا لن نخن
نتحدى الموت عند المحن
نشتري المجد بأغلى ثمن
هذه الأرض لنا
فليعش سوداننا علما بين الأمم
يا بني السودان هذا رمزكم
يحمل العبء ويحمي أرضكم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجزائر

بطاقةُ تعارفٍ دولة الجزائر نظرة عامة للجزائر هي جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية Ageria، ومساحتها: 2.381.741 كم2، وعدد سكانها: 33.2 مليون نسمة. والكثافة: 13.2 نسمة بالكم2. وأهم مدنها: الجزائر، وهران، قسنطينه، عنابة. ودياناتها: 99% مسلمون، 1% مسيحيون، ويهود. وعملتها: الدينار الجزائري. ومتوسط دخل الفرد: 2.500 دولار. واللغة الرسمية هي اللغة العربية، بالإضافة إلى اللغة الأمازيغية وهي كذلك لغة وطنية. ونسبة المتعلمين: 44.68%. الثروات الطبيعية البترول، والغاز الطبيعي، وفلزات الحديد، والفوسفات، واليورانيوم، والرصاص، والزنك، والذهب. التاريخ السياسي للجزائر تاريخ الاستقلال: تم الاستقلال من الاحتلال الفرنسي في 5 يوليو 1962م. اليوم الوطني هو يوم الثورة 1 نوفمبر 1954م. تاريخ إقرار الدستور: جرت أول انتخابات تشريعية في الجزائر بتاريخ 20 سبتمبر 1962م لانتخابات المجلس التشريعي، وهذا ما سمح بإصدار دستور 10 سبتمبر 1963م. واسم المجلس هو المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة، وتاريخ تأسيس المجلس هو 1954م، وعدد غرف المجلس: غرفتان، وهما: المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمة.

اليمن

بطاقةُ تعارفٍ نُبذةٌ عَنِ اليمنِ نظرة عامة عن اليمن الجمهورية اليمنية هو اسم الدولة، وعاصمتها صنعاء، والرئيس علي عبد الله صالح هو رئيس الدولة، والنظام الجمهوري هو نظام الحكم. وتقع اليمن في قارة آسيا يحدها البحر العربي، وخليج عدن من الجنوب، والبحر الأحمر من الغرب وعمان من الشرق والسعودية من الشمال. وتبلغ مساحتها 527.970 كيلو مترا مربعا. الثروات الطبيعية اليمنية هي البترول، والأسماك، والملح الصخري، والرخام، والذهب، والرصاص، والنيكل، والنحاس. ويبلغ عدد السكان 21.426.000 نسمة، والريال اليمني هو العملة الرسمية، واللغة العربية هي اللغة الرسمية، وتبلغ نسبة المتعلمين 54%. سياسة اليمن استقلت اليمن في 22 مايو 1990م من الاحتلال البريطاني، واليوم الوطني هو 22 مايو. وفي 16 مايو 1991م تم إقرار الدستور. وقد تأسس مجلس النواب في عام 1969م. وفي عام 1975م انضمت للاتحاد البرلماني العربي، وفي عام 1975م انضمت للاتحاد البرلماني الدولي. السُّكانُ السكان عدد سكان اليمن بلغ عدد سكان اليمن وفق تقديرات عام 2006م، 21.426.000 نسمة يتوزعون في جهات اليمن المختلفة، حيث بلغت نس

السعودية

بطاقةُ تعارفٍ بطاقةُ تعارفٍ نظرة عامة على السعودية المملكة العربية السعودية هو اسم الدولة، وعاصمتها الرياض، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز هو رئيس الدولة، والنظام الملكي هو نظام الحكم، وهي تقع في منطقة الشرق الأوسط، وتطل على الخليج العربي من الشرق والبحر الأحمر من الغرب، ومن الجنوب اليمن، وتبلغ مساحتها: 1.960.582 كيلو مترا مربعا. الثروات الطبيعية السعودية هي البترول، والغاز الطبيعي، والحديد الخام، والذهب، والنحاس. ويبلغ عدد سكان السعودية 24 مليون نسمة، والريال السعودي هو العملة الرسمية بالبلاد. واللغة العربية هي اللغة الرسمية. وتبلغ نسبة المتعلمين 78 %. وفي 23 سبتمبر 1932م استقلت المملكة. وتم توحيد المملكة في اليوم نفسه. سياسة السعودية في عام 1993م تم إقرار الدستور السعودي. وفي عام 1927م تأسس مجلس الشورى. وفي عام 2001م انضمت للاتحاد البرلماني العربي، وفي عام 2003م انضمت للاتحاد البرلماني الدولي. السُّكانُ السكانُ الكثافة السكانية السعودية بلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية نحو 22.998.000 نسمة في عام 2004م، ويمثل السعوديون حوا